دروس النحو

الفرق بين الشاهد وموضع الشاهد والمثال ووجه التمثيل

يكثر في كتب النحو ذكر الشواهد النحوية، وتدور في هذه الكتب كلمات مثل: موضع الشاهد، ووجه الاستشهاد، والتمثيل، ووجه التمثيل.

فما معنى ذلك؟

تعريف الشاهد

الشاهد هو الكلام الفصيح الذي يصح أن يكون حجة في بناء القواعد العربية، ومجموع الشواهد هو ذلك التراث العربي الضخم الغني الذي استقرأه العلماء واستنبطوا منه قواعد لغتنا وطرائق أجدادنا في تركيب كلامهم ونظام جملتهم ومسالكهم في التعبير عن أفكارهم.

وقد أخذ العلماء أنفسهم بالحزم الشديد في قبول الكلام الذي اتخذوه حجة في صياغة القواعد؛ فتتبعوا ينابيعه الصافية وتحرَّوا مواضعه النقية، وتوقفوا في قبوله لأدنى شك وريبة، وجعلوا مصادرهم فيه ما يلي:

أ –القرآن الكريم: وهو كتاب اللغة العربية الأول.

ب –الحديث النبوي الشريف: وكان النحاة فيه مذاهب، على النحو الآتي:

  • منهم من لم يرَ الاستشهاد به لكثرة المجتزئين عليه والكذابين الوضاعين على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم.
  • ومنهم من توسع في الأخذ به.
  • ومنهم من رأى أن الدقة البالغة التي اتسم بها منهج المُحَدِّثين، والقواعد الصادقة في ضبط الحديثِ النبويِّ متنِه وسندِه، والبحث المتأني العميق في رجاله، والكتب الكثيرة التي ضبطت الصحيح منه والحسن والضعيف والموضوع، كل ذلك جعل الاستشهاد بما صح منه أو حَسُنَ سليماً مأموناً؛ لأن ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي في فصاحته وعلو منزلته في الدرجة الثانية بعد القرآن الكريم.

ج –الشعر العربي القديم: الذي كان يتناقله الرواة، ويحفظه عنهم الناس.

د –أقوال الفصحاء من العرب الأقحاح: الذين صحت فيهم السليقة واستقامت لهم اللغة، وبَعُدوا عن اللحن وفساد الألسنة.

وقد حدد النحاة لهذه الشواهد حدين أساسيين هما: الرقعة الزمانية والرقعة المكانية.

الرقعة الزمانية: فقد حَدُّوا ذلك بالقرن الرابع قبل الهجرة إلى القرن الرابع بعد الهجرة، بمعنى أن العلماء لم يأخذوا بكلام أحد من سكان المدن ممن تأخرت وفاته عن عام ١٥٠ هجرية، وزادوها في البادية قرناً من الزمان كاملاً.

وقسم العلماء هذا الامتداد الزمني قسمين:

  • الاحتجاج للقواعد النحوية: وجعلوه مختوماً بابن هرمة القرشي المتوفى سنة ١٧٦ هجرية.
  • الاحتجاج للمعاني: حيث أجاز بعضه النحاة الاحتجاج بأشعار أبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي في المعاني لا في وضع القواعد وتأسيسها.

الرقعة المكانية: كان الرواة وعلماء اللغة يقصدون إلى الأعراب يسمعون منهم ويسجلون عنهم ويجعلون ذلك مادة تآليفهم وآرائهم.

وفرق النحاة بين قبائل تسكن وسط الجزيرة العربية وقبائل تسكن على أطرافها، وجعلوا الأولى هي منبع شواهدهم، مثل: قيس، وتميم، وأسد، وطيئ، وهُذيل؛ لأن موطنها نجد والحجاز، وابتعدوا عن الاستشهاد بأشعار قبائل لخم، وجذام، وقضاعة، وغسان، وإياد؛ لأنها تسكن على أطراف الجزيرة.

ومجموع ما استقاه العلماء من هذه الموارد الأربعة هو ما يسمى اصطلاحاً بالشواهد النحوية.

تعريف موضع الشاهد

أما موضع الشاهد ووجه الاستشهاد فنعرض معناهما عَرْضاَ عملياً نستخلص منه التعريف العلمي لهما، كقول الشاعر:

أَقَاطِنٌ قَومٌ سَلْمَى أَمْ نَوَوا ظَعْناً * إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيشُ مَنْ قَطَنَا

موضع الشاهد: أقاطن قوم سلمى.

وجه الاستشهاد: جاء الشعر بالمبتدأ (قاطن) وصفاً معتمداً على استفهام وهو الهمزة، وجاء بعده بفاعل وهو (قوم) سد مسد الخبر.

وقال آخر:

أَنَفْساً تَطِيبُ بِنَيلِ الْمُنَى * وَدَاعِي الْمَنُونِ يُنَادِي جِهَارَا

موضع الشاهد: أنفساً تطيب.

وجه الاستشهاد: قدم الشاعر التمييز (نفساً) على العامل فيه (تطيب)، وجاز ذلك؛ لأن العامل فعل متصرف، ولا يجوز تقديم التمييز في غير ذلك، والأصل: أتطيب نفساً بنيل المنى.

فموضع الشاهد إذاً هو الذي يمثل قاعدة ما، ووجه الاستشهاد هو الإشارة إلى هذه القاعدة وبيان صلتها بهذا الموضع.

التمثيل ووجه التمثيل

إِنْ مَثَّلَ العالم لقاعدته بكلام لا ينضوي تحت واحد مما سبق؛ فهو مثال لا شاهد ولو أجمع النقاد والعلماء على فصاحة صاحبه. كالتمثيل بأبياتٍ لكبار المتأخرين مثل أبي تمام أو البحتري أو المعري أو غيرهم ممن يضارعهم، فالنحاة مثلاً يَسُوقون بيت المعري:

يُذِيبُ الرُّعْبُ مِنْهُ كُلَّ عَضْبٍ * فَلَولَا الْغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالَا

ويقولون: وجه التمثيل فيه أنه صرح بخبر المبتدأ الغمد، وهو جملة (يمسكه) والمبتدأ بعد (لولا)، وذلك لأن الخبر كَونٌ خَاصٌّ وليس كوناً عاماً.

ولا يقولون وجه الاستشهاد؛ لكونه متأخراً فقد توفي المعري سنة ٤٤٩ هجرية،

خاتمة

تناولنا في هذه المقالة مفهوم الشاهد النحوي وموضعه ووجه الاستشهاد به، وبينَّا الفرق بينه وبين المثال ووجه التمثيل. وأوضحنا أن الشاهد هو الكلام الفصيح الذي يستند إليه العلماء في إثبات القواعد النحوية، وأن مصادره هي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي القديم وأقوال الفصحاء من العرب الأقحاح. وأنهم حددوا له حدين زمانيين ومكانيين، وهما القرن الرابع قبل الهجرة والقرن الرابع بعد الهجرة، والجزيرة العربية وسطها وأطرافها. وأن موضع الشاهد هو الذي يمثل قاعدة ما، ووجه الاستشهاد هو الإشارة إلى هذه القاعدة وبيان صلتها بهذا الموضع. وأن المثال هو الكلام الذي يمثل لقاعدة ما، ولكنه لا ينضوي تحت مصادر الشاهد، ووجه التمثيل هو الإشارة إلى هذه القاعدة وبيان صلتها بهذا المثال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى