دروس النحو

ضمير الفصل: تعريفه وإعرابه وشروطه ووظائفه

الضمير لغة: هو الإخفاء، نقول: أضمر الشيء: إذا أخفاه، ويقال: أضمر شيئاً في نفسه؛ أي عزم عليه بقلبه. ويُعْرَفُ الضمير عند أهل الكوفة بالكناية، وهذه الكلمة فيها معنى الخفاء والستر.

الفصل لغة: مصدر الفعل فَصَلَ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَينَهُمْ}؛ أي: يقضي ويحكم.

ضمير الفصل اصطلاحاً

هو صيغة ضمير منفصل مرفوع، يتوسط بين:

أ -المبتدأ والخبر، ومثاله قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}.

ب –ما أصله مبتدأ وخبر، كقوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانوُا هُمُ الظَّالِمِينَ}، وكقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، وكقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}.

ما تسميات ضمير الفصل عند العلماء

أول من أطلق على ضمير الفصل هذا الاسم هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وتبعه في ذلك سيبويه عندما عقد باباً بعنوان: هذا باب ما يكون فيه (هو وأنت وأنا ونحن وأخواتهن) فصلاً.

وهذا المصطلح أي ضمير الفصل من مصطلحات البصريين، أما الكوفيون فسموه عماداً ودعامة.

قال ابن مالك: من المضمرات المسمى عند البصريين فصلاً، وعند الكوفيين عماداً.

بينما سماه الأخفش صلة زائدة.

لماذا سمي ضمير الفصل بهذا الاسم؟

أ –ضمير الفصل: سمي ضمير فصل عند البصريين؛ لأنه يرفع الإبهام ويزيل اللبس، فهو يوضح كون ما بعده خبراً لما قبله لا تابعاً.

وقيل: سمي ضمير فصل؛ لكونه فصلاً بين الخبر والصفة.

ويرى ابن مالك أنه سمي فصلاً للفصل بين شيئين لا يَستغني أحدهما عن الآخر.

ب –ضمير العماد: سماه الكوفيون عماداً؛ لأنه يُعتمد عليه في الوصول إلى الفائدة وتأدية المعنى، فهو كالعماد في البيت الحافظ للسقف من السقوط.

وتسميته دعامة؛ لأن الكلام يُدَّعَمُ به؛ أي يَقوى به ويُؤَكَّدُ، والتأكيد من فوائد مجيئه.

والراجح من التسميات هو ضمير الفصل.

ضمير الفصل اسم أم حرف؟

ثمة رأيان في هذه المسألة وهما:

الفريق الأول: يرى أنه اسم لدلالته على مسمى، وهو قول منسوب للخليل.

الفريق الثاني: ذهب إلى القول بحرفية هذا الضمير، وهم جمهور النحويين، والسبب أن هذا الضمير جاء لمعنى في غيره، وهو الفصل بين ما هو خبر وما هو تابع، فاشتد شبهه بالحرف.

ما إعراب ضمير الفصل؟

فيه رأيان:

الرأي الأول: لا محل له من الإعراب، وهو رأي جمهور البصريين. وأدلتهم في ذلك:

١ -لأن مجيئه لغرض وهو الإعلام بأن ما بعده خبر لا تابع فأشبه الحرف، والحرف لا محل له من الإعراب.

٢ -لأن عدم تَغَيُّرِ ضمير الفصل لتغير ما قبله دليل على أنه لا موضع له من الإعراب.

٣ -إن خلو ضمير الفصل من الإعراب أمر غير مستنكر وله نظائره، مثل: ال الموصولة، والكاف في (ذلك) و(أولئك).

الرأي الثاني: ذهب الكوفيون إلى أن له محلاً من الإعراب، لكنهم اختلفوا في محله.

فالفراء يجعل محله محل ما قبله، ويرى الكسائي أن محله محل ما بعده.

فمثلاً في قوله تعالى: {فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِمْ}

فعلى قول الفراء يكون محل الضمير رفعاً بالتوكيد، وعلى قول الكسائي يكون محله نصباً بالتوكيد.

والقول الراجح هو قول جمهور البصريين أنه لا محل له من الإعراب للأسباب الآتية:

١ -لأن الاسم الذي بعد ضمير الفصل يُعرب على حسب حاجة ما قبله من غير التفات إليه كأنه غير موجود.

٢ -لأن عدم إعراب ضمير الفصل هو الأكثر شيوعاً في اللهجات العربية.

٣ -لأن إهمال ضمير الفصل وعدم إعرابه ورد في قراءات جمهور القراء السبعة، بينما ورد إعماله في قراءات شاذة، ومما قرئ في ذلك:

{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}.

فقد قرأ الأعمش وزيد بن علي (الحقُّ) بالرفع.

شروط ضمير الفصل

أورد ابن هشام في مغني اللبيب ستة شروط لضمير الفصل، شرطان فيما قبله، وشرطان فيما بعده، وشرطان له في نفسه.

أولاً: شرطان فيما قبله

١ –أن يكون مبتدأً في الحال، كقوله تعالى: {وُأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، أو يكون الأصل كاسم كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها، ومفعول ظننت وأخواتها، كقوله تعالى: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ}، وكقوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}، وكقوله عز وجل {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً}.

٢ –أن يكون معرفة كما ورد في الآيات السابقة، وكقوله تعالى: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}.

وأجاز بعض الكوفيين كونه نكرة، وحملوا على ذلك قوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}، فأَعربوا وقَدَّروا (أربى) منصوباً.

ثانياً: شرطان فيما بعده

يُشترط فيما بعد ضمير الفصل شرطان هما:

١ –أن يكون خبراً لمبتدأ في الحال أو الأصل، كما في الأمثلة السابقة.

٢ –أن يكون معرفة كما ورد في الآيات السابقة، أو ما أشبه المعرفة في أنه لا يقبل (ال) ومن ذلك قوله تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً}.

فقوله (أقل) وهو أفعل التفضيل يشبه المعرفة في أنه مع (من) لا تجوز إضافته ولا دخول (ال) عليه.

ثالثاً: شرطان في نفسه

١ –أن يكون أحد ضمائر الرفع المنفصلة؛ أي صيغة المرفوع، مثل: هو، هم، أنا، أنت، نحن، كقوله تعالى: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ}.

٢ –أن يكون مطابقاً للاسم الذي قبله في التكلم والخطاب والغيبة، وفي الإفراد والتثنية والجمع، وفي والتذكير والتأنيث، وإليك التفصيل:

أ –المطابقة في التكلم والخطاب والغيبة:

  • في التكلم كقوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ}.
  • وفي الخطاب قوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}.
  • وفي الغيبة قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونُ}.

ب –المطابقة في الإفراد والتثنية والجمع: في الإفراد كقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وفي الجمع قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}. ولم يرد في القرآن مثال عن التثنية.

 ج –المطابقة في التذكير والتأنيث: من أمثلة التذكير قوله تعالى: {إَنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، ومثال التأنيث قوله تعالى: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}.

وظائف ضمير الفصل

أولاً: التوكيد والتقوية: ومثاله قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، فقد ورد ضمير الفصل في هذه الآية بعد دعاء إلى ما يشق على الإنسان فعله وهو أن يدفع السيئة بالحسنة، فناسبه ذكر الضمير لتوكيد الأمر.

ومثال آخر قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}.

ففي هذه الآيات ظهر ضمير الفصل مع أفعال الهداية والإطعام والإسقاء والشفاء، ولم يذكر هذا الضمير مع الأفعال الثلاثة الأخرى، وهي (خلقني، يميتني، يحيين).

والسر البلاغي في هذا الذكر والحذف أننا نجد ضمير الفصل حيث يتوهم في الفعل شراكة كما في الهداية والإطعام والإسقاء والشفاء، فقد يدعي المخلوق أنه يفعلها، ولهذا جاء التعبير القرآني بضمير الفصل مع تلك الأفعال ليؤكد نسبتها إلى الله وتخصيصه بها.

أما أفعال الخلق والإماتة والإحياء فلا يتوهم فيها الشراكة، ولا يمكن أن يدعيها أحد لنفسه، بل هي خاصة بالله تعالى دون منازع، ولهذا لم تكن فيها ضرورة أن يؤتى بضمير الفصل.

ثانياً: الحصر والقصر والاختصاص

 والمقصود بها قصر المسند على المسند إليه باعتبار أن ضمير الفصل من أساليب القصر التي أقرها البلاغيون.

والقصر في حقيقته تأكيد فوق تأكيد بمعنى أن المتكلم يضغط جملتين في جملة واحدة.

ومن أمثلته قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}.

فضمير الغيبة في الآية ضمير فصل، والتعريف في (الهدى) تعريف الجنس الدال على الاستغراق، فثمة أسلوبان من أساليب الحصر هما: ضمير الفصل وتعريف الجزأين، وفي الجمع بينهما إفادة تحقيق معنى القصر وتأكيده للعناية به.

ومن أمثلة القصر قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}.

فضمير الفصل (نحن) في الآيتين يفيد الحصر، ومعناه: أنهم هم الصافون في مواقف العبودية لا غيرهم، وأنهم هم المسبحون لا غيرهم.

وهذا القصر لإبراز أن صدوره عنهم بكامل الزينة والنشاط، هذا هو الذي تقتضيه جزالة التنزيل، كما يقول أبو السعود.

ثالثاً: وظيفة التمييز بين الخبر والتابع أو الصفة:

مهمة هذه الوظيفة لفظية للإعلام بكون الخبر خبراً لا تابعاً أو صفة، ومثاله قوله تعالى {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، فلو جردت هذه الآية من ضمير الفصل لتُوُهِّمَ أن قوله (الغني) ما هو إلا صفة للفظ الجلالة، وأن الخبر لم يأت بعد، فضمير الفصل هو الذي يرفع مثل هذا الوهم واللبس ويشعر بأنه الخبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى