دروس النحو

الاستثناء والمستثنى بإلا: تعريفه وأركانه وأدواته وأنواعه وأحكامه وإعرابه

في هذا الدرس سوف نخوض في غمار بحث مهم لكل طلاب اللغة العربية، وهو الاستثناء. سوف نتعرف إلى كثير من الأمور عن الاستثناء ومنها: تعريف الاستثناء، وأدواته، وأنواعه، وأحكامه، والمستثنى بإلا وأحواله، وإعراب المستثنى بإلا، والوصف بإلا، والاستثناء بغير وسوى، والاستثناء بخلا وعدا وحاشا، والاستثناء بـ ليس، ولا يكون، وشبه الاستثناء.

تعريف الاستثناء

الاستثناء هو إخراج ما بعد أداة الاستثناء من حكم ما قبلها، نحو: (زارني الرِّفَاقُ إلَّا زيداً)، فقد استُثْنِي ما بعد (إلا) من حكم ما قبلها وهو الزيارة.

أركان الاستثناء

للاستثناء ثلاثة أركان هي:

أ –المستثنى منه، وهي كلمة (الرفاق) في المثال السابق.

ب –المستثنى، وهو (زيد).

ج –أداة الاستثناء، وهو (إلا).

وفي الجملة السابقة ثَمَّةَ حُكْمٌ أُطلِق على المستثنى منه عامة، ثم استُثني منه المستثنى، وهذا الحكم هو (الزيارة).

أدوات الاستثناء

للاستثناء ثمانية أدوات هي: إلَّا، غير، سوى، خلا، عدا، حاشا، ليس، لا يكون.

أنواع الاستثناء

للاستثناء خمسة أنواع هي:

١ –الاستثناء المتصل: وهو ما كان فيه المستثنى منه والمستثنى من جنس واحد، نحو: (نَجَحَ الطُّلَّابُ إلَّا سَعْداً)، فـ سَعْدٌ من الطلاب وهو بعضهم. وقد كان الحكم وهو (النجاح) عامّاً ثم أخرجنا منه المستثنى (سعداً) فأزلنا عمومه وجعلناه خاصاً ببعض الطلاب لا عامّاً فيهم جميعاً، ولذا كان الغرض من الاستثناء المتصل (التخصيص بعد التعميم).

٢ –الاستثناء المنقطع: وهو ما كان فيه المستثنى من جنس غير جنس المستثنى منه، نحو (وَصَلَ الطُّلَّابُ إلَّا كُتُبَهُمْ، ورحلَ التُّجَّارُ إلَّا بضائعَهُمْ)، والمستثنى في هذا النوع ليس جزءاً من المستثنى منه كما كان في النوع السابق، ولذا لم يُفِدِ الاستثناء التخصيص بعد التعميم؛ إذ لا معنى لاستثناء شيء من غير جنسه، بل أفاد الاستدراك، فالمعنى: وصل الطلاب لكنه كتبهم لم تصل.

ولا بد في الاستثناء المنقطع من وجود علاقة تربط المستثنى بالمستثنى منه، فالكتب ليست جزءاً من الطلاب، ولكنها ملازمة لهم في التصور، ولذا حَسُنَ الاستدراك حتى لا يُظَنَّ أنها موافقة لهم كما جرت العادة.

٣ –الاستثناء التام: وهو ما استوفى أركانه الثلاثة سواء أكان مثبتاً أم منفياً.

٤ –الاستثناء المُفَرَّغُ: وهو ما حُذِفَ فيه المستثنى منه وقد سُبِقَ بنفي أو نهي أو استفهام، كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} آل عمران: ١٤٤.

٥ –الاستثناء الموجب: وهو ما لم يُصَدَّرْ بنقي أو شبهه، نحو: (زُرْتَ الآثَارَ إلَّا قلعةَ الحصنِ).

 ٦ –الاستثناء غير الموجب: وهو ما صُدِّرَ بـ

  • نفي، نحو: (ما جاءَ أحدٌ إلَّا زيدٌ أو زيداً).
  • أو شبه النفي وهو النهي أو الاستفهام، نحو: (لا تَزُرْ أحداً إلَّا زيداً)، أو (هل جاءَ أحدٌ إلَّا زيدٌ أو زيداً؟).

أحكام الاستثناء

-من شروط المستثنى منه أن يكون معرفة أو نكرة مفيدة، وتكون الإفادة بـ

  • الإضافة، نحو: (وصلَ رفاقُ الكفاحِ إلَّا خالداً).
  • بالوصف، نحو: (جاءني رجالٌ كرامٌ إلَّا واحداً منهُمْ).
  • بالوقوع في حيز النفي أو النهي أو الاستفهام:
  • النفي، نحو: (لم أرَ أحداً إلَّا زيداً).
  • النهي، نحو: (لا تُصادِقْ أحداً إلَّا سعداً).
  • الاستفهام، نحو: (هل رأيتَ أحداً إلَّا خالداً؟).

-ويُشترط في المستثنى أيضاً أن يكون معرفة كما ورد في الأمثلة السابقة، أو نكرة مختصة، نحو: (جاءَ القومُ إلَّا رجلاً مريضاً)، و(وصَل الصَّحْبُ إلَّا واحداً منهُمْ).

أحوال المستثنى بإلا

للمستثنى بـ إلا ثلاث أحوال:

١ –وجوب نصبه على الاستثناء، وذلك في ثلاثة مواضع:

أ –أن يقع الاستثناء في كلام تام موجب، نحو: (جاءَ القومُ إلَّا زيداً).

ب –أن يقع المستثنى قبل المستثنى منه، سواء أكان الكلام موجباً، نحو (جاءَ إلَّا سعيداً المسافرونَ)، أم سالباً كقول الكميت بن زيد:

وما لي إلَّا آلَ أحمدَ شيعةٌ * وما لي إلا مذهبَ الحقِّ مذهبُ

فهنا: (آل) مستثنى بإلا منصوب وجوباً؛ لتقدمه على المستثنى منه (شيعة)، ولولا هذا التقدم لجاز فيه النصب والإتباع على البدلية؛ لكون الكلام تاماً سالباً.

ج –إن كان الاستثناء منقطعاً، نحو (وصلَ المسافرونَ إلا حقائبَهُمْ)، وكقوله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ۝ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} سورة طه: ٢ – ٣، وكقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} سورة النساء: ١٥٦.

ويُجِيز بنو تميم البدلَ في الاستثناء المنقطع، وعلى رأيهم جاء قول الراجز عامر بن الحارث:

في بلدةٍ بِهَا أنيسُ * إلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا العِيسُ

الشاهد في البيت: إبدال (اليعافير، والعيس) من (أنيس) وهي ليست من جنسه، و(إلا) الثانية توكيد للأولى.

٢ –جواز الرفع والنصب؛ أي إما إتباعه للمستثنى منه على البدلية أو نصبه على الاستثناء، وذلك إذا وقع المستثنى بعد المستثنى منه في كلام تام منفي أو شبه منفي.

  • المنفي، كقوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} سورة النساء: ٦٥، قُرِئت (قليلاً أو قليلٌ). فالنصب يكون على الاستثناء، والرفع على أنه بدل من المستثنى منه وهو واو الجماعة التي جاءت في موضع رفعٍ، فاعلٌ.
  • شبه المنفي، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} سورة آل عمران: ١٣٥.
  • وقد يكون النفي معنوياً كقول الأخطل:

وبالصَّريمةِ منهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ * عَافٍ تَغَيَّرَ إلَّا النُّؤْيُ والوَتِدُ

الشاهد: ضَمَّنَ الشاعر كلامه معنى النفي فجازت البدلية من فاعل (تغير) وهو الضمير المستتر؛ لأن معنى تغير: لم يبق على حاله.

-فإن جُرَّ المستثنى منه بحرف جر زائد؛ كان البدل من محله لا من لفظه؛ فيقال (ما جاء مِنْ أحدٍ إلَّا زيدٌ أو زيداً).

-ولا يجوز الجر على البدل من اللفظ؛ لأنه المسوغ لزيادة الجار هو تأكيد النفي، وما بعد (إلا) مثبت غير منفي، فلا تجوز زيادة حرف الجر عليه، والبدل على نية تكرار العامل، أي العامل في البدل مُقَدَّرٌ مماثل للعامل المذكور.

إعراب المستثنى بإلا

يعرب المستثنى بإلا حسب العوامل، وذلك في الاستثناء المفرغ، أي إذا حُذِفَ المستثنى منه وبُنِيَ الكلام على نفي أو ما يشبهه (نهي أو استفهام).

  • النفي، نحو (ما جاءَ إلَّا زيدٌ)، زيد: فاعل.
  • النهي، نحو: (لا تفعلْ إلَّا الخيرَ)، الخير: مفعول به.
  • الاستفهام، نحو: (هلْ يفوزُ إلَّا المُجِدُّونَ؟)، المجدون: فاعل.

وقد سُمِّيَ هذا الاستثناء مفرغاً؛ لأن ما قبل (إلا) قد تفرغ للعمل فيما بعدها.

الوصف بإلا

-قد تُحْمَلُ (إلا) على (غير)؛ فيوصف بها كما حُمِلَتْ (غير) على (إلا) فاستُثني بها، وتعرب مع ما بعدها صفة لما قبلها، كقوله تعالى: {لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} سورة الأنبياء: ٢٢.

-وقد يصح الوصف والاستثناء كما في الحديث: «الناس هلكى إلا العالِمون، والعالِمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون». فهنا إن رفعنا كانت (إلا) وما بعدها في موضع رفع نعتاً للناس، والتقدير: (الناس غير العالمين هلكى …)، وإن نصبناً كان ما بعد (إلا) مستثنى منصوباً.

الاستثناء بـ غير وسوى

تُستعمل (غير وسوى) في الأصل للوصف؛ فنقول: (جاء رجل غيرُكَ أو سواكَ)، ولكنهما حملاً على (إلا) استثني بهما، وحُكْمُ ما بعدهما الجر بالإضافة دائماً، وهما اسمان يُعطَيَان إعراب الاسم الذي بعد (إلا) وتنطبق عليهما كل أحكامه، فنقول:

-جاء الصحبُ غيرَ زيدٍ: هنا (غيرَ) واجب النصب؛ لأن الاستثناء تام موجب.

-ما جاءَ غيرَ زيدٍ الطلابُ: واجب النصب؛ لتَقَدُّمِ المستثنى على المستثنى منه.

-جاء المسافرون غيرَ أمتعتهم: واجب النصب على الاستثناء المنقطع.

-ما جاء الصحبُ غيرُ أو غيرَ زيدٍ: جائز النصب أو البدلية من المستثنى منه؛ لأنه استثناء تام منفي.

-ما جاء غيرُ زيدٍ: مرفوع على أنه فاعل؛ لأن الاستثناء مفرغ.

وينطبق ذلك كله على (سوى)، وبعض النحاة يرى أن (سوى) ظرف منصوب على الظرفية المكانية، وأنه بمعنى (بَدَلَ أو مكانَ)، ولو حملناه على (غير) وجعلناه للاستثناء لجعلنا في ذلك يسراً وتسهيلاً.

الاستثناء بـ خلا وعدا وحاشا

يُستثنى بهذه الكلمات لتضمنها معنى (إلا)، ويجوز في المستثنى بها وجهان:

١ –الجر على أنها حروف جر شبيهة بالزائدة لا تحتاج مع مجرورها إلى تعليق، نحو: (جاءَ الرِّفاقُ خلا زيدٍ)، زيد: اسم مجرور لفظاً منصوب تقديراً على الاستثناء.

٢ –النصب على أنها أفعال ماضية، وفاعلها ضمير مستتر وجوباً تقديره هو خلافاً للأصل، والمستثنى بها مفعول به منصوب، والجملة في موضع نصب على الحال من المستثنى منه، نحو: (جاءَ الرفاقُ خلا زيداً)، أي خالين من زيد.

فإذا اقترنت بها (ما) المصدرية تعين نصب ما بعدها وامتنع الجر؛ لأن (ما) المصدرية حرف فلا يجوز أن تدخل على حرف، ولذا امتنع إعراب هذه الأدوات إن كان معها حروف جر، ووجب إعرابها أفعالاً ماضية، كقول الشاعر:

تُسَلُّ النَّدَامى ما عداني فإنَّني * بكلِّ الَّذي يَهوى نديمي مولَعُ

الشاهد في البيت: دخول (ما) المصدرية على (عدا) فتعين إعرابه فعلاً ماضياً، ولذا اتصلت به نون الوقاية، وكانت الياء في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره هو خلافاً للأصل، والجملة في محل نصب حال من الندامى.

-ومما تختص به (حاشا) أنها تستعمل للتنزيه والاستثناء فنقول: (يُغْرِقُ الأطفال في الإيذاء حاشا زيداً)، ولا يجوز أن يقال: (نفعل الخيرَ حاشا زيداً)؛ لأن فعل الخير لا يُنَزَّهُ عن الإنسان.

-وقد تستعمل للتنزيه دون الاستثناء، فيقال: (حاشَ للَّهِ أو حاشا للَّهِ، أو حاشا اللَّهِ) فتثبت ألفها أو تحذف فتعرب مفعولاً مطلقاً وما بعدها مضاف إليه أو جار ومجرور متعلقان بها. وتكون مبنية إن جاءت غير منونة ولا مضافة، نحو: (حاشَ لله أو حاشا لله)، وتكون معربة في غير ذلك.

-كما تستعمل فعلاً متعدياً بمعنى (أستثني) كقول النابغة الذبياني:

ولا أرى فاعلاً في النَّاسِ يشبهه * ولا أُحاشي منَ الأقوامِ مِنْ أَحَدِ

-وتأتي بمعنى (جانَبَ)، نحو: (حاشَى العربَ أن ينسَوا فلسطينَ)، والتقدير: حاشَى العربَ نسيانُ فلسطين.

وهنا جملة (ينسوا فلسطين) جملة فعلية، صلة الموصول الحرفي، لا محل لها من الإعراب، و(أن) مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل للفعل (حاشى).

الاستثناء بـ (ليس)، و(لا يكون)

ليس، ولا يكون: فعلان ناقصان يرفعان الاسم وينصبان الخبر، وقد يأتيان بمعنى (إلا) فيستثنى بهما في مثل قولنا: (جاءَ الطُّلَّاُب ليس زيداً أو لا يكون زيداً) والمنصوب خبر لهما وهو منصوب حتماً، واسمهما ضمير مستتر وجوباً تقديره هو، والجملة حالية من المستثنى منه.

ملحوظة: لا يُستعمل فعل (يكون) في الاستثناء إلا بصيغة المضارع، ولا يستعمل معه من أدوات النفي غير (لا).

تنبيه: رأى بعض النحاة أن استعمال (خلا، عدا، حاشا، ليس، لا يكون) في الاستثناء قد أخرجهم عن فعليتهم إلى الحرفية، فهي لذلك لا تطلب فاعلاً ومفعولاً أو اسماً وخبراً، والمنصوب بعدها منصوب على الاستثناء، وهو رأي جيد، غير أن جمهور النحاة على الرأي الأول وهو الذي أعربناه في الأمثلة.

شبه الاستثناء

يكون شبه الاستثناء بكلمتين:

الأولى: (بَيْدَ) وهي بمعنى (غير)، ولا تستعمل في الاستثناء المنقطع، وتكون ملازمة للنصب على شبه الاستثناء، كما تلازم الإضافة إلى المصدر المؤول من (أنَّ) ومعموليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيشٍ».

الثانية: (لا سيما): المؤلفة من (لا) النافية للجنس و(سي) التي بمعنى (مثل) إضافة إلى (ما). وهي تركيب يؤتى به لترجيح ما بعدهما على ما قبلهما في حكم مشترك بينهما، نحو: (أُحِبُّ الطُّلَّابَ ولا سِيَّمَا المجتهدينَ).

وللاسم الذي بعدها أحوال مختلفة من الإعراب نختار منها فيما يلي أبسطها:

١ –إن كان الاسم الذي بعدها نكرة؛ جاز فيه الجر والرفع والنصب، فنقول: (أُحِبُّ العملَ ولا سيَّما عملٍ أو عملٌ أو عملاً يَعود بالنفعِ على الأُمَّة)، و(لا) في كل ذلك نافية للجنس تعمل عمل (إن) وخبرها محذوف تقديره كائن أو موجود تكون بقية الإعراب كما يلي:

أ –في حالة الجر (وهو أفضلها): سي: اسم لا منصوب، وما: زائدة، عملٍ: مضاف إليه مجرور.

ب –في حالة الرفع: سي: اسم لا منصوب، ما: اسم موصول في محل جر بالإضافة، عمل: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو عمل، والجملة صلة الموصول الاسمي لا محل لها من الإعراب، والتقدير: لا مِثْلَ الذي هو عمل … موجود.

ج –في حالة النصب: سي: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب، ما: زائدة كافة لـ سي عن الإضافة، عملاً: تمييز لـ سي منصوب.

٢ –إن كان الاسم الذي بعدها معرفة؛ جاز رفعه وجره على الوجهين السابقين، وامتنع نصبه على التمييز؛ لأن من شروط التمييز أن يكون نكرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى