دروس النحو

فعلا التعجب: شروط صوغهما وإعرابهما وأحكامهما

في العربية صيغ متعددة للتعجب تدل القرائن على معناها نحو: (لله در زيد، حسبك بخالد شجاعاً، با له مقداماً، سما الفدائي بطولة …)، على أنه توجد صيغتان وضعتا للتعجب، وأفادتا معناه بالصيغة نفسها دون قرينة خارجية هما: (ما أفعله وأفعل به)، نحو: ما أكرمَ الجهادَ وأكرم بالمجاهدين).

شروط صوغ فعلي التعجب

يصاع فعلا التعجب من كل: فعل، ثلاثي، متصرف غير جامد، مثبت غير منفي، تام غير ناقص، قابل للتفاوت، مبني للمعلوم، لا تأتي الصفة المشبه منه على وزن أفعل.

وقد جمع ابن مالك هذه الشروط ببيتين منظومين هما:

وصغهما من ذي ثلاثٍ صُرِّفا * قابلِ فضلٍ تم غير ذي انتقا

وغير ذي وصف يضاهي أشهلا * وغيرِ سالكٍ سبيلَ فُعِلا

ويُتَعَجَّبُ مما فقد هذه الشروط بالإتيان بمصدره بعد صيغة مساعدة، نحو: (حل الربيع فما أشدَّ ازدهارَ شجرِهِ، وما أجملَ خضرتَهُ).

فالمصدر ازدهار من الفعل الخماسي ازدهر، والخضرة من خضر وصفته المشبهة على وزن أفعل: أخضر. وما ورد خلاف ذلك فهو سماعي شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، كقولهم: (ما أعطى زيداً للمال وأولاه للمعروف) مِنْ أعطى وأولى الرباعيين، و(ما أزهاه) من الفعل زُهِيَ المبني للمجهول، و(ما أحمقه وأهوجه) من فعلين تصاغ الصفة المشبهة منهما على وزن أفعل: أحمق وأهوج، و(ما أشد ألا يفطَنَ العربُ إلى دسائس أعدائهم) من المنفي: لا يفطن، و(ما أعدل أن يعاقَبَ المذنب) من عوقب المبني للمجهول.

إعراب صيغتي التعجب

أ –ما أكرمَ الجهادَ

ما: نكرة تامة بمعنى شيء، في موضع رفع على الابتداء.

أكرمَ: فعل ماض جامد لإنشاء التعجب، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو خلافاً للأصل وعائد إلى ما.

الجهادَ: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

(أكرم الجهاد): جملة فعلية في محل رفع خبر للمبتدأ ما.

ومعنى الصيغة: شيٌ أكرمَ الجهادَ، ثم حُوِّلَت إلى الصيغة المذكورة لإنشاء التعجب.

ب –أكرمْ بالمجاهدينَ

أكرمْ: فعل ماض جاء على صيغة الأمر لإنشاء التعجب مبني على الفتح المقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال محله بالسكون العارض لصيغة الأمر.

بالمجاهدين: الباء حرف جر زائد، المجاهدين: اسم مجرور لفظاً مرفوع محلاً على أنه فاعل، وعلامة جره الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.

أصل المعنى: كَرُمَ المجاهدون، ثم حولت إلى الصيغة المذكورة لإنشاء التعجب.

وتكثر زيادة (كان) بين (ما) التعجبية وفعل التعجب كقول الشاعر:

حَجَبَتْ تَحِيَّتَهَا فَقُلْتُ لِصَاحِبِي * مَا كَانَ أَكْثَرَهَا لَنَا وَأَقَلَّهَا

بعض أحكام صيغتي التعجب

أ –فعلا التعجب جامدان يلزمان صورة واحدة، فنقول: (ما أحرصَ المُجِدَّ على وقته، وما أحرصَ المُجِدَّينِ وما أحرصَ المُجِدِّينَ، وأكرم بزيد، وأكرم بالصَّدِيْقَينِ، وأكرم بالرفاق المخلصين).

ويقدر الفاعل مستتراً مفرداً مذكراً دائماً (هو).

ب –زيادة الباء على فاعل (أفعل) ملتزمة واجبة.

ج –المتعجب منه معرفة، نحو: (ما أشجع خالداً) أو نكرة مختصة، نحو: (ما أكرمَ رجلاً يضع حياته فداء دينه) إذ لا معنى للتعجب من نكرة.

د –يجوز حذف المتعجب منه بعد صيغة (ما أفعل) إن كان في الكلام ما يدل عليه، كقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

جَزَى اللَّهُ عَنِّي وَالْجَزَاءُ بِفَضْلِهِ * رَبِيعَةَ خَيراً مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا

الشاهد: جواز حذف المتعجب منه لدلالة الكلام عليه، وتقديره: جزء الله ربيعة خيراً ما أعفها وأكرمها.

ويحذف من الصيغة الأخرى (أفعل به) بشرط أن يكون الفعل معطوفاً على فعل يماثله وقد ذُكِرَ الفاعل مع الفعل الأول كقول الراجز:

أَعْزِزْ بِنَا وَأَكْفِ إِنْ دُعِينَا * يَوماً إِلَى نُصْرَةِ مَنْ يَلِينَا

والتقدير: أعزز بنا وأكفِ بنا، والضمير (نا) في محل جر بالياء الزائدة لفظاً، وهو في محل رفع فاعل فعل التعجب، وقد وقع ضمير النصب والجر موقع ضمير الرفع بسبب الجارِّ.

فإن حُذِفَ دون عطف كان شاذاً.

هـ -لا يُتَصَرَّفُ في جملة التعجب بتقديم أو تأخير، ولا يجوز الفصل بين أجزائها بغير الظرف أو الجار والمجرور المتعلقين بالفعل نفسه، أو بالنداء، فمثال الأول قول أوس بن حجر:

أُقيمُ بدار الحزم ما دام حزمها * وأَحْرِ إذا حالَتْ بأنْ أَتَحَوَّلا

ففاعل (أحرِ) هو المصدر المؤول من (أن أتحولا) والباء زائدة، وقد فصل بين الفعل والفاعل بالظرف وهو جائز.

ومثال الثاني قول الشاعر:

خَلِيلَيَّ مَا أَحْرَى بِذِي اللُّبِّ أَنْ يُرَى * صَبُوراً وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى الصَّبْرِ

فالمصدر المؤول من (أن يرى) مفعول به لـ (أحرى) وقد فُصِلَ بينها بالجار والمجرور.

ومثال الثالث حديث علي: (أَعْزِزْ عَلَيَّ أَبَا الْيَقْظَانِ أَنْ أَرَاكَ صَرِيعاً مُجَدَّلاً).

و –ورد تصغير بعض أفعال التعجب، نحو: (ما أُمَيْلَحَ وما أُحَيْسَنَ هنداً)، وذلك سماعي يحفظ ولا يقاس عليه، وقد سَهَّلَ تصغيرَهما جمودُهما مما جعل بينهما وبين الفعل المتصرف فارقاً في الإعلال والإدغام، فَتُعَلُّ العين في المتصرف وتَصِحُّ فيهما، فنقول: (ما أجودَ زيداً)، ويصح إبقاء الإدغام أو فكه في صيغة الأمر من المتصرف، فنقول: (شُدَّ واشْدُدْ) ويتعين فكه في التعجب، فنقول: (أشْدِدْ بِهِ) ولا يجوز أن نقول (شُدَّ به).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى