دروس النحو

تعريف الإغراء والتحذير وصورهما

تتعدَّدُ التَّراكيبُ الخاصَّةُ مِنَ المفعولِ بِهِ في اللُّغةِ العربيَّةِ، ومِنْهَا الاشتغالُ والتَّنازعُ والإغراءُ والتَّحذيرُ والاختصاصُ، وقدْ تناولْنَا في دروسٍ سابقةٍ أسلوبي الاشتغالِ والتَّنازعِ، كما تحدَّثْنَا عنِ المفعولِ بِهِ. وفي درسِنَا اليومَ سنتـناولُ بالحديثِ أسلوبي الإغراءِ والتَّحذيرِ.

تعريفُ الإغراءِ

الإغراءُ هوَ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ تقديرُهُ (الْزَمْ) أو ما في معناهُ، نحوُ قولِنَا: (النَّجدةَ).

النَّجدةَ: مفعولٌ بِهِ منصوبٌ على الإغراءِ بفعلٍ محذوفٍ جوازاً تقديرُهُ: الزمْ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

والغرضُ مِنَ الإغراءِ تنبيهُ المخاطبِ إلى أمرٍ محمودٍ ليفعلَهُ.

صورُ الإغراءِ

لأسلوبِ الإغراءِ صورٌ ثلاثٌ:

١ –أنْ يأتي المُغْرَى بِهِ مفرداً (أي غيرَ مكرَّرٍ ولا معطوفاً عليهِ)؛ فيُنْصَبَ بفعلٍ محذوفٍ جوازاً، نحوُ قولِنَا: (الصِّدقَ في كلِّ عملٍ؛ فإنَّهُ طريقُ النَّجاحِ).

٢ –أنْ يأتي المُغرى بِهِ مكرَّراً، نحوُ قولِنَا: (المروءةَ المروءةَ؛ فإنَّهَا للرَّجلِ الكريمِ أجملُ حِليةٍ)، ويكونُ الأوَّلُ منصوباً على الإغراِء بفعلٍ محذوفٍ وجوباً، والثَّاني توكيداً لفظيّاً للأوَّلِ.

ومِنْهُ قولُ الشَّاعرِ:

أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ … كَسَاعٍ إِلَى الْهَيجَا بِغَيرِ سِلَاحِ

أي: الزمْ أخاكَ.

والشَّاهدُ: وجوبُ إضمارِ الفعلِ (الزمْ)؛ لأنَّ المغرى بِهِ مكرَّرٌ، فـ”أخاكَ” منصوبٌ بتقديرِ: الزمْ أخاكَ، و”أخاكَ” الثَّانيةُ: توكيدٌ لفظيٌّ.

٣ –أنْ يأتي معطوفاً عليهِ، نحوُ قولِنَا: (العِلمَ الصَّحيحَ والخُلُقَ القويمَ؛ فإنَّهُمَا أساسُ بناءِ الأممِ)، والعاملُ في هذهِ الصُّورةِ محذوفٌ وجوباً أيضاً، وقَدْ عَدَّ النُّحَاةُ التَّكرارَ والعطفَ في الأسلوبينِ الأخيرينِ تعويضاً عنِ العاملِ، ولذا كانَ حذفُهُ وجوباً؛ لئلَّا يُجْمَعَ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ عنْهُ.

وقدْ يأتي المكرَّرُ مرفوعاً على أنَّهُ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، كقولِ الشَّاعرِ:

إِنَّ قَوماً مِنْهُمْ عُمَيرٌ وَأَشْبَا * هُ عُمَيرٍ وَمِنْهُمُ السَّفَّاحُ

لَجَدِيرُونَ بِالْوَفَاءِ إِذَا قَا * لَ أَخُو النَّجْدَةِ السِّلَاحُ السِّلَاحُ

موضعُ الشَّاهدِ: السِّلاحُ السِّلاحُ.

وجهُ الاستشهادِ: رُفِعَ المُغْرَى بِهِ المكرَّرُ، وأصلُهُ أنْ يُنْصَبَ بتقديرِ: خُذِ السِّلاحَ، والثَّاني يُعربُ توكيداً لفظيّاً.

قالَ الزَّجَّاجُ في معاني القرآنِ: والعربُ تُحَذِّرُ وتُغري بالرَّفعِ كالنَّصبِ.

تعريفُ التَّحذيرِ

التَّحذيرُ هوَ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ تقديرُهُ (احذرْ) أو ما في معناهُ، نحوُ: (الكذبَ) أو (إيَّاكَ النَّميمةَ).

والغرضُ مِنَ التَّحذيرِ تنبيهُ المخاطَبِ إلى أمرٍ مكروهٍ ليتجنَّبَهُ.

صورُ التَّحذيرِ

للتَّحذيرِ صورٌ تُمَاثِلُ صورَ الإغراءِ، فقدْ يأتي:

  • مفرداً، نحوُ قولِنَا: (الإهمالَ؛ فإنَّهُ مُضَيِّعُ للآمالِ).
  • مكرَّراً، نحوُ: (الضَّغينةَ الضَّغينةَ؛ فإنَّهَا تَشْحَنُ النَّفسَ بالبغضاءِ).
  • معطوفاً عليهِ، نحوُ: (اللَّهوَ والهزلَ والعدوُّ يتربَّصُ بنَا الدَّوائرَ).

والعاملُ محذوفٌ جوازاً في الصُّورةِ الأولى، ومحذوفٌ وجوباً في الصُّورتينِ الأخيرتينِ.

وينفردُ التَّحذيرُ بصورٍ ليسَتْ للإغراءِ هيَ:

١ –أنْ يكونَ التَّحذيرُ بالضَّميرِ المنفصلِ (إيَّاكَ) وفروعِهِ، ويأتي المُحَذَّرُ مِنْهُ:

  • معطوفاً، نحوُ: (إيَّاكَ وإضاعةَ الوقتِ)، فهُنَا إيَّاكَ: ضميرُ نصبٍ منفصلٌ، في محلِّ نصبٍ بفعلٍ محذوفٍ وجوباً، والتَّقديرُ: أُحَذِّرُكَ، ثُمَّ حُذِفَ الفعلُ فانفصلَ الضَّميرُ.
  • أو غيرَ معطوفٍ، نحوُ: (إيَّاكَ الإهمالَ). فهنَا يُمكنُ أنْ تجعلَ الواوَ عاطفةً لجملةٍ على جملةٍ، والتَّقديرُ: (باعدْ نفسَكَ واجتنبْ إضاعةَ الوقتِ)، أو تجعلَ الواوَ مفيدةً للمعيَّةِ، والثَّاني مفعولٌ معَهُ.

وقدْ يُكرَّرُ الضَّميرُ فيكونُ الثَّاني توكيداً لفظيّاً للأوَّلِ، كقولِ الشَّاعرِ:

فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ الْمِرَاءَ فَإِنَّهُ * إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وَلِلشَّرِّ جَالِبُ

وقدْ يُجَرُّ المُحَذَّرُ مِنْهُ بجارٍّ ويتعلَّقانِ بالفعلِ المحذوفِ، كقولِنَا: (إيَّاكَ مِنَ الاستهتارِ؛ فإنَّهُ مَزَلَّةُ قَدَمٍ).

٢ –أنْ يُذْكَرَ المحذَّرُ مِنْهُ والمحذَّرُ لأجلِهِ متعاطفينِ، نحوُ: (ثوبَكَ والوحلَ، أو رأسَكَ والغصنَ)، والأفضلُ في هذهِ الصُّورةِ تقديرُ عاملينِ محذوفينِ، وتكونُ الواوُ عاطفةً لجملةٍ على جملةٍ، والتَّقديرُ: صُنْ ثَوبَكَ واحذرِ الوحلَ، احفظْ رأسَكَ واجتنبِ الغصنَ.

٣ –أنْ يذكرَ المحذَّرُ مِنْ أجلِهِ والمحذَّرُ مِنْهُ دونَ عاطفٍ، نحوُ: (نفسَكَ الأهواءَ؛ فإنَّهَا تُعمي عنِ الحقِّ) فيُنصبانِ بالعاملِ المحذوفِ، والتَّقديرُ: جَنِّبْ نفسَكَ الأهواءَ.

وحَذْفُ العاملِ واجبٌ في الصُّورِ الثَّلاثةِ السَّابقةِ.

وقدْ يأتي المحذَّرُ منهُ مكرَّراً مرفوعاً، نحوُ: (الخيانةُ الخيانةُ) فيكونُ الأوَّلُ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، والثَّاني توكيداً لفظيّاً لَهُ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى