الفروق اللغوية

الفرق بين المطر والغيث

انتشرَتْ في الفترةِ الأخيرةِ على الإنترنتِّ وعلى مواقعِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ مقالات ٌيدَّعي فيهَا أصحابُهَا أنَّهُ لا يصحُّ أنْ نقولَ مطرٌ؛ لأنَّهُ خاصٌّ بالعذابِ، وأنَّ الصَّوابَ أنْ نقولَ غيثاً؛ لأنَّهُ خاصٌّ بالرَّحمةِ، وهذا كلامٌ فيهِ تفصيلٌ، ولا يصحُّ أنْ نأخذَ بِهِ كما هوَ؛ بلْ يجبُ أنْ نفهمَ الفرقَ بينَهُمَا وندركَ معنى ومقصدَ كلِّ واحدٍ على حدىً؛ حتَّى لا نقع َفي الخطأِ الَّذي وقعُوا فيهِ.

ولذلِكَ عمدْنَا إلى كُتُبِ اللُّغةِ العربيَّةِ مِنْ قرآنٍ كريمٍ وحديثٍ شريفٍ ومعاجمَ وكتبِ اللُّغةِ وغيِرَها؛ حتَّى نُؤَصِّلَ للكلمتينِ، فجمعْنَا الآياتِ والأحاديثَ وكذلِكَ جمعْنَا أقوالَ العلماءِ وأنجزْنَا هذا البحثَ.

ما الفرقُ بينَ الغيثِ والمطرِ وما تعريفُ كلِّ واحدٍ منهُمَا

الغيثُ: هوَ الْمَطَرُ والكَلأُ النَّازل مِنَ السَّماءِ؛ وقيلَ: الأصلُ الْمَطَرُ، ثُمَّ سُمِّي ما يَنْبُتُ بِهِ غَيثاً.

وقيلَ: الغيثُ هوَ المَطَرُ الخاصُّ بالخَيْرِ، الكَثِيرُ النَّافِعُ؛ لأنَّهُ يُغَاثُ بِهِ النّاسُ.

يُقالُ: غاثَهُمُ اللَّهُ، وأصابَهُمْ غيثُ، فهوَ الْمُغِيثُ؛ لأنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ الْجَدْبِ وَيُخَلِّصُ مِنَ الْقَحْطِ.

وسُمِّيَ الْغَيثُ غيثاً؛ لأنَّهُ يُحْيِي بإذنِ اللَّهِ.

قولُهُ تعالى: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} قالَ مجاهدٌ: بالمطرِ.

المطرُ: هوَ الماءُ الْمُنْسَكِبُ مِنَ السَّحابِ. والمَطرُ: ماءُ السَّحابِ، والجمعُ أَمْطارٌ.

وقالَ ناسٌ: لا يُقَالُ أُمْطِرَ إلَّا في الْعَذَابِ قالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ}. وَتَمَطَّرَ الرَّجُلُ: تَعَرَّضَ لِلْمَطَرِ. ومِنْهُ الْمُسْتَمْطِرُ: طَالِبُ الْخَيْرِ.

الفرقُ بينَ الغيثِ والمطرِ

الغيثُ: هوَ المطرُ الَّذي يُغِيثُ مِنَ الْجَدْبِ. وكانَ نافعاً في وقتِهِ.

والمطرُ: قَدْ يكونُ نافعاً وقدْ يكونُ ضارّاً في وقتِهِ، وفي غيرِ وقتِهِ.

جاءَ المطرُ في القرآنِ الكريمِ بمعنى العذابِ ثمانيَ مرَّاتٍ.

وجاءَ المطرُ في القرآنِ الكريمِ بمعنى الغيثِ مرَّةً واحدةً فقطْ.

وبالتَّالي:

-يَصِحُّ أنْ نقولَ عنِ المطرِ مطراً إخباراً وتسميةً ويصحُّ أنْ نقولَ غيثاً؛ لِمَا جاءَ في الحديثِ القدسيِّ:

عنْ زيدِ بنِ خالدٍ الجُهنيِّ رضيَ اللَّهُ عنْهُ، أنَّهُ قالَ: صلَّى لَنَا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صلاةَ الصُّبحِ بِالحُدَيْبِيَةِ على إِثْرِ سَمَاءٍ كانَتْ مِنَ اللَّيلةِ، فلمَّا انصرفَ أقبلَ على النَّاسِ، فقالَ: «هلْ تَدرونَ ماذا قالَ ربُّكُمْ؟»

قالُوا: اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ.

قالَ: «أصبحَ مِنْ عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ؛ فأمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنَا بفضلِ اللَّهِ ورحمتِهِ، فذلِكَ مؤمنٌ بي وكافرٌ بالكوكبِ، وأمَّا مَنْ قالَ: بِنَوْءِ كذا وكذا، فذلِكَ كافرٌ بِي ومؤمنٌ بالكوكبِ».

-ولكنْ في الدُّعاءِ الأفضلُ أنْ نقولُ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغيثَ، ولا نَقولُ: اللَّهُمَّ أمطِرْنَا.

أو نقولُ: اللَّهُمَّ أمطرْنَا بمطرٍ نافعٍ.

ففي الحديثِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في دعائِهِ:

«اللَّهُمَّ! اسْقِنَا غَيثاً مُغِيثاً مَرِيئاً، نَافِعاً غَيرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ».

لأنَّ المطرَ ربَّمَا جاءَ في غيرِ أوانِ الزِّراعاتِ، وربَّمَا جاءَ والتَّمرُ في الجرنِ، والطَّعامُ في البيادرِ، وربَّمَا كانَ في الكثرةِ مجاوزاً لمقدارِ الحاجةِ.

مواضعُ مجيءِ المطرِ في القرآنِ

جاءَ المطرُ في القرآنِ الكريمِ بمعنى العذابِ في الآياتِ التَّاليةِ:

١ -قولُهُ تعالى: {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}، [الأعرافُ: ٨٤].

٢ -وقولُهُ تعالى: {وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}، [هودٌ: ٨٢].

٣ -وقولُهُ تعالى: {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}، [الحجرُ: ٧٤].

٤ -وقولُهُ تعالى: {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}، [الشُّعراءُ: ١٧٣].

٥ -وقولُهُ تعالى: {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}، [النَّملُ: ٥٨].

٦ -وقولُهُ تعالى: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ}، [الأنفالُ: ٣٢].

٧ -وقولُهُ تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ}، [الفرقانُ: ٤٠].

٨ -وقولُهُ تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا}، [الأحقافُ: ٢٤].

وجاءَ المطرُ في القرآنِ الكريمِ بمعنى الغيثِ مرَّةً واحدةً في الآيةِ:

قولِهِ تعالى: {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النِّساءُ:١٠٢].

والمعنى: ليسَ عليكُمْ إثمٌ إنْ تعذَّرَ حملُ السِّلاحِ إمَّا لأنَّهُ يصيبُهُ بللُ المطرِ فيسودُّ وتفسدُ حدَّتُهُ، أو لأنَّ مِنَ الأسلحةِ ما يكونُ مبطَّناً فَيَثْقُلُ على لابسِهِ إذا ابتلَّ بالماءِ.

مختصرُ البحثِ

الغيثُ: هوَ المطرُ الَّذي يَغِيثُ مِنَ الجَدْبِ، وكانَ نافعاً في وقتِهِ.

المطرُ: لفظٌ عامٌّ يُطلقُ على جميعِ أنواعِ الماءِ المنسكبِ منَ السَّحابِ؛ وقدْ يكونُ نافعاً وقدْ يكونُ ضارّاً في وقتِهِ، وفي غيرِ وقتِهِ.

يَصِحُّ أنْ نقولَ عنِ المطرِ مطراً إخباراً وتسميةً، ويَصِحُّ أنْ نقولَ غيثاً.

أما في الدُّعاءِ فالأفضلُ أنْ نقولَ (اللَّهُمَّ اسقنا الغيثَ)، ويصحُّ أنْ نقولَ: (اللَّهمَّ اسقِنَا مطراً نافعاً)؛ إنْ وصفْنَاهُ بالنَّافعِ.

المصادرُ والمراجعُ

١ -البيان والتبيين للجاحظ: ١/ ١٩٤.

٢ -السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير للخطيب الشربيني: ١/ ٣٢٩.

٣ -الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للفارابي: ١/ ٢٨٩.

٤ -العين للخليل بن أحمد الفراهيدي: ٤/ ٤٤٠.

٥ -الغريبين في القرآن والحديث للهروي: ٤/ ١٣٩٧.

٦ -ألف سؤال وجواب في القرآن لقاسم عاشور: ٤٣ -٤٤.

٧ -المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده: ٦/ ١١.

٨ -المخصص لابن سيده: ٣/ ١٠٩.

٩ -المستدرك على الصحيحين للحاكم: ١/ ٤٥٧، الحديث رقم: ١٢٢٢.

١٠ -النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ لبطال: ١/ ١٢٠.

١١ -تاج العروس من جواهر القاموس لمرتضى الزبيدي: ٥/ ٣١٧.

١٢ -تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم: ٢/ ٢٢٧.

١٣ -تفسير الفخر الرازي (مفاتيح الغيب = التفسير الكبير): ١١/ ٢٠٦.

١٤ -تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن لمحمد الأمين الأرمي: ٢٦/ ١١٣.

١٥ -تنوير المقباس من تفسير ابن عباس للفيروزآبادي: ٧٩.

١٦ -تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري الهروي: ٨/ ١٥٩.

١٧ -جمهرة اللغة لابن دريد: ١/ ٤٢٩.

١٨ -سنن أبي داود: ١/ ٣٠٣، الحديث رقم: ١١٦٩.

١٩ -صحيح البخاري: ١/ ١٦٩ الحديث رقم: ٨٤٦.

٢٠ -لسان العرب لابن منظور: ٢/ ١٧٥ -١٧٨.

٢١ -مسند الشافعي: ٢/ ٦٢ الحديث رقم: ٥١٨.

٢٢ -معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ٤/ ٤٠٣، ٥/ ٣٣٢ -٣٣٣.

٢٣ -معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار عبد الحميد عمر: ٢/ ١٦٥٤.

٢٤ -معجم الفروق اللغوية للعسكري: ٣٩١.

زر الذهاب إلى الأعلى