الفروق اللغوية

ما الفرق بين الحمد والشكر؟

في هذهِ المقالةِ سوفَ نعرفُ الفروقَ بينَ الحمدِ والشُّكرِ مِنْ خلالِ جمعٍ ثُمَّ تلخيصٍ لأقوالِ العلماءِ في هذا الشَّأنِ.

١ -الشُّكرُ يكونُ على الأفعالِ، والحمدُ على الصِّفاتِ والأفعالِ.

فالشُّكرُ لا يكونُ إلَّا مكافأةً، بينَمَا الحمدُ هوَ الثَّناءُ على الرَّجُلِ بشجاعةٍ أو سخاءٍ.

فالحمدُ أعمُّ؛ لأنَّكَ تحمدُ الإنسانَ على صفاتِهِ الذَّاتيَّةِ وعلى عطائِهِ ولا تشكرُهُ على صفاتِهِ.

فالحمدُ يقعُ على الثَّناءِ وعلى التَّحميدِ وعلى الشُّكرِ والجزاءِ، والشُّكرُ مخصوصٌ بِمَا يكونُ مكافأةً.

٢ -وقدْ يُوضعُ الحمدُ موضعَ الشُّكرِ، ولا يوضعُ الشُّكرُ موضعَ الحمدِ.

تقولُ: حمدْتُهُ على معروفِهِ، وشكرتُهُ أيضاً. وحمدْتُهُ على شجاعتِهِ، ولا تقولُ: شكرتُهُ على شجاعتِهِ.

٣ –الحمدُ فيهِ معنى التَّعجُّبِ، ويكونُ فيهِ معنى التَّعظيمِ للممدوحِ وخضوعِ المادحِ.

٤ –الحمدُ والشُّكرُ يتَّفقانِ في الثَّناءِ باللِّسانِ على الإحسانِ، ويتفارقانِ في صدقِ الحمدِ فقطْ على النَّعتِ بالعلمِ مثلاً، وفي صدقِ الشُّكرِ فقطْ على المحبَّةِ بالجَنانِ، لأجلِ الإحسانِ.

٥ -الشُّكرُ مخصوصٌ بالعملِ أيِ (الأفعالِ)، والحمدُ أخصُّ بالأقوالِ، وبعضُهُمْ جعلَ الشُّكرَ على النِّعمِ الظَّاهرةِ، والحمدُ على النِّعمِ الباطنةِ.

٦ -سببُ الحمدِ أعمُّ مِنْ سببِ الشُّكرِ، ومتعلِّقُ الشُّكرِ ومَا بِهِ الشُّكرُ أعمُّ ممَّا بِهِ الحمدُ:

فمَا يُحمَدُ الربُّ تعالى عليهِ أعمُّ ممَّا يُشْكَرُ عليهِ؛ فإنَّهُ سبحانَهُ وتعالى يُحمدُ على أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ونِعَمِهِ، ويُشكرُ على نعمِهِ، وما يُحمدُ بِهِ أخصُّ ممَّا يُشكرُ بِهِ؛ فإنَّهُ يُشكرُ بالقلبِ واللِّسانِ والجوارحِ ويُحمدُ بالقلبِ واللِّسانِ.

٧ -الشُّكر أعمُّ مِنْ جهةِ أنواعِهِ وأسبابِهِ، وأخصُّ مِنْ جهةِ متعلِّقاتِهِ. والحمدُ أعمُّ مِنْ جهةِ المتعلِّقاتِ، وأخصُّ مِنْ جهةِ الأسبابِ.

ومعنى هذا: أنَّ الشُّكرَ يكونُ بالقلبِ خضوعاً واستكانةً، وباللِّسانِ ثناءً واعترافاً، وبالجوارحِ طاعةً وانقياداً. ومتعلِّقُهُ: النِّعمُ، دونَ الأوصافِ الذَّاتيَّةِ، فلا يُقالُ: شكرْنَا اللَّهَ على حياتِهِ وسمعِهِ وبصرِهِ وعلمِهِ. وهوَ المحمودُ عليهَا. كمَا هوَ محمودٌ على إحسانِهِ وعدلِهِ، والشُّكرُ يكونُ على الإحسانِ والنِّعمِ.

فكلُّ ما يتعلَّقُ بِهِ الشُّكرُ يتعلَّقُ بِهِ الحمدُ مِنْ غيرِ عكسٍ، وكلُّ ما يقعَ بِهِ الحمدُ يقعُ بِهِ الشُّكرُ مِنْ غيرِ عكسٍ.

٨ -الحمدُ: هوَ الثَّناءُ باللِّسانِ على الجميلِ، سواء ًتعلَّقَ بالفضائلِ كالعلمِ، أمْ بالفواضلِ كالبرِّ.

والشُّكرُ: فعلٌ ينبئُ عنْ تعظيمِ المنعمِ لأجلِ النِّعمةِ، سواءً أكانَ نعتاً باللِّسانِ، أوِ اعتقاداً، أو محبَّةً بالجَنانِ (القلبِ)، أو عملاً وخدمةً بالأركانِ.

٩ -الحمدُ يعمُّ ما إذا وصلَ ذلِكَ الإنعامُ إليكَ أو إلى غيرِكِ، وأمَّا الشُّكرُ فهوَ مختصٌّ بالإنعامِ الواصلِ إليكَ.

١٠ -وإذا أردْتَ أنْ تتبيَّنَ حقيقةَ الفرقِ بينَ الحمدِ والشُّكرِ اعتبرْتَ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا بضدِّهِ. وذلِكَ أنَّ ضدَّ الحمدِ الذَّمُّ، وضدَّ الشُّكرِ الكفرانُ.

١١ -ويجوزُ أنْ يحمدَ الإنسانُ نفسَهُ في أمورٍ جميلةٍ يأتيهَا، ولا يجوزُ أنْ يشكرَهَا؛ لأنَّ الشُّكرَ يجري مجرى قضاءِ الدَّينِ ولا يجوزُ أنْ يكونَ للإنسانِ على نفسِهِ دَينٌ، فالاعتمادُ في الشُّكرِ على ما توجبُهُ النِّعمةُ وفي الحمدِ على ما توجبُهُ الحكمةُ.

١٢ -الشُّكرُ على الإعطاءِ وهوَ متناهٍ، والحمدُ يكونُ على المنعِ وهوَ غيرُ متناهٍ، فالابتداءُ بشكرِ دفعِ البلاءِ الَّذي لا نهايةَ لَهُ على جانبٍ مِنَ الحُسْنِ لا نهايةَ لَهُ، ودفعُ الضُّرِّ أهمُّ مِنْ جلبِ النَّفعِ فتقديمُهُ أحرى.

١٣ -الحمدُ للَّهِ أولى مِنْ قولِكَ الشُّكرُ للَّهِ:

لأنَّ قولَكَ الحمدُ للَّهِ ثناءٌ على اللَّهِ بسببِ كلِّ إنعامٍ صدرَ مِنْهُ ووصلَ إلى غيرِهِ، وأمَّا الشُّكرُ للَّهِ فهوَ ثناءٌ بسببِ إنعامٍ وصلَ إلى ذلِكَ القائلِ، ولا شكَّ أنَّ الأوَّلَ أفضلُ؛ لأنَّ التَّقديرَ كأنَّ العبدَ يقولُ: سواءً أعطيتَنِي أو لمْ تُعطنِي فإنعامُكَ واصلُ إلى كلِّ العالمينَ، وأنتَ مستحقٌّ للحمدِ العظيمِ، وقيلَ: الحمدُ على ما دفعَ اللَّهُ مِنَ البلاءِ، والشُّكر ُعلى ما أعطى مِنَ النَّعماءِ.

فإنْ قيلَ: النِّعمةُ في الإعطاءِ أكثرُ مِنَ النِّعمةِ في دفعِ البلاءِ، فلماذا تَرْكُ الأكثرِ وذِكْرُ الأقلِّ؟

قلْنَا في وجوهٍ:

الأوَّلُ: كأنَّهُ يقولُ أنا شاكرٌ لأدنى النِّعمتينِ فكيفَ لأعلاهُمَا.

الثَّاني: المنعُ غيرُ متناهٍ، والإعطاءُ متناهٍ، فكانَ الابتداءُ بشكرِ دفعِ البلاءِ الَّذي لا نهايةَ لَهُ أَولى.

الثَّالثُ: أنَّ دفعَ الضَّررِ أهمُّ مِنْ جلبِ النَّفعِ، فلهذا قدَّمَهُ.

١٤ -حَمْدُ اللَّهِ: هوَ الثَّناءُ عليهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ الحسنى، وهوَ الثَّناءُ عليهِ بالفضيلةِ، بينَمَا شُكْرُ اللَّهِ: هوَ الثَّناءُ عليهِ بنِعَمِهِ وإحسانِهِ وأياديهِ.

-الشُّكرُ لا يكونُ إِلَّا على نعْمَةٍ، والحمدُ قدْ يكونُ على نعْمَةٍ وعلى غيرِ نعْمَةٍ، فالشَّكرُ على الإعطاءِ، والحمدُ على الإعطاءِ والمنعِ.

المصادر والمراجع

-إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم لابن خالويه.

-الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي.

-الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للفارابي.

-الفروق اللغوية للعسكري.

-المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده.

-المخصص لابن سيده.

-المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للفيومي.

-المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.

-النَّظْمُ المستعذَب في تفسير غريب ألفاظ المهذّب لبطال.

-النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير.

-بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي.

-بيان إعجاز القرآن للخطابي.

-تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني).

-تفسير الرازي (مفاتيح الغيب = التفسير الكبير).

-تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن).

-عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم.

-غريب القرآن لابن قتيبة.

-مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم.

-معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي.

-معجم الفروق اللغوية للعسكري.

-موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم لمحمد علي التهانوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى