شرح ألفية ابن مالك

المعرب والمبني من الأسماء في ألفية ابن مالك

سنشرح أبياتاً جديدة من ألفية النحو، وهي الأبيات من الخامس عشر إلى الثامن عشر.
يقول فيها ابن مالك:

١٥ -والاسمُ منْهُ مُعْرَبٌ ومَبْنِي … لِشَبَهٍ مِنَ الحُروفِ مُدْنِي

١٦ -كالشَّبَهِ الوَضْعِيِّ في اسْمَيْ جِئْتَنَا … والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وفي هُنَا

١٧ -وكَنِيَابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلَا … تَأَثُّرٍ وَكَافْتِقَارٍ أُصِّلَا

١٨ –ومُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا … مِنْ شَبَهِ الحَرْفِ كَأَرْضٍ وَسَمَا

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

–والاسمُ منْهُ مُعْرَبٌ ومَبْنِي … لِشَبَهٍ مِنَ الحُروفِ مُدْنِي

-والاسمُ منْهُ مُعْرَبٌ ومَبْنِي: أي الاسمُ بعضُهُ معرَبٌ وبعضُهُ مبنيٌّ.

-لِشَبْهٍ مِنَ الحُروفِ مُدْنِي: علَّةُ البناءِ في الأسماءِ مشابهةُ هذهِ الأسماءِ للحروفِ.

-مُدْنِي: مقرِّبٌ منهُ.

معنى البيتِ: إنَّ الاسمَ منهُ ما هوَ معربٌ، ومنهُ ما هوَ مبنيٌّ؛ بسببِ شبهِهِ بالحرفِ.

وإنَّ الشَّبهَ لا يكونُ مقرِّباً للاسمِ منَ الحرفِ إلَّا إذا لْم يعارضْهُ معارضٌ، فإنْ عارضَهُ ما يمنعُ البناءَ لمْ يكنْ حينئذ مقرِّباً، مثالُ ذلِكَ (أي) فإنَّها تكونُ موصولةً وشرطيَّةً واستفهاميَّةً، وهيَ في هذهِ الأحوالِ مشابهةٌ للحرفِ كأخواتِها، ولكنْ عارضَ شبهَها للحرفِ لزومُها للإضافةِ، وكونُها بمعنى (كل) معَ النَّكرةِ وبمعنى (بعض) معَ المعرفةِ فأعربَتْ.

-كالشَّبَهِ الوَضْعِيِّ في اسْمَيْ جِئْتَنَا … والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وفي هُنَا

-وكَنِيَابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلَا … تَأَثُّرٍ وَكَافْتِقَارٍ أُصِّلا

هنا يبدأُ ابنُ مالكٍ في ذكرِ أنواعِ شبهِ الاسمِ بالحرفِ وهيَ أربعةٌ ذكرَهَا في بيتينِ، يقولُ:

-كالشَّبَهِ الوَضْعِيِّ في اسْمَيْ جِئْتَنَا: الشَّبهُ الوضعيُّ، والمرادُ بِهِ: أنْ يكونَ الاسمُ على حرفٍ واحدٍ وعلى حرفينِ.

فعلى حرفٍ واحدٍ، نحوِ: تاءِ الفاعلِ في قولِنَا: جئْتُ، فالفعلُ (جاءَ) والتَّاءُ في (جئْتُ) اسمٌ ضميرٌ جاءَ على حرفٍ واحدٍ. وهيَ مبنيَّةٌ -أي التَّاءُ –لأنَّها أشبهَتِ الحرفَ في الوضعِ؛ لكونِهَا على حرفٍ واحدٍ، مثلِ باءِ الجرِّ ولامِهِ.

والاسمُ الَّذي على حرفينِ، مثلُ الضَّميرِ (نا) في (جئْتَنَا)، فالضَّميرُ (نا) جاءَ على حرفينِ، فهوَ يشبُهُ قدْ وبلْ.

-اسْمَيْ جِئْتَنَا: يريدُ الاسمينِ الواردينِ في قولِهِ (جئْتَنَا)، هذا الفعلُ (جاءَ) وقدِ اتَّصلَتْ بِهِ تاءُ الفاعلِ، ثمَّ اتَّصلَتْ بعدَ ذلِكَ (نا) المتكلِّمينَ.

فـ (التَّاء) و(نا) اسمانِ بدليلِ صحَّةِ الإسنادِ إليهِما، وهما مبنيَّانِ لأنَّ (التَّاءَ) على حرفٍ واحدٍ في الوضعِ و(نا) على حرفينِ في الوضعِ، فشابِها بذلِكَ الحرفَ، لأنَّ أصلَ الحرفِ أنْ يُوضعَ على حرفِ هجاءٍ أو على حرفي هجاءٍ.

وأصلُ الاسمِ أنْ يُوضعَ على ثلاثةِ أحرفٍ فصاعداً، فما وُضِعَ منَ الأسماءِ على أقلَّ منْ ثلاثةٍ فقدْ شابَهَ وضعُهُ وضعَ الحرفِ، فاستحقَّ البناءَ، وأمَّا ما وُضِعَ على أكثرَ منْ حرفينِ ثمَّ طرأَ عليهِ حَذْفٌ، نحوَ، يَدٌ ودَمٌ، فهوَ معربٌ، لأنَّ لَهُ ثالثاً في الوضعِ.

-والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وفي هُنَا: الشَّبَهُ المعنويُّ، والمرادُ بِهِ: أنْ يكونَ الاسمُ بمعنى حرفٍ منَ الحروفِ، نحوِ: أسماءِ الاستفهامِ، ومنْهُ (متى)، نحوُ قولِهِ تعالى: {مَتَى نَصْرُ اللهِ}، فهيَ تشابِهُ همزةَ الاستفهامِ؛ لأنَّنا نسألُ بِها عنْ معنىً محدودٍ.

وإنْ كانَتْ للشَّرطِ، نحوِ: (متى تأتِ أكرمْكَ) فهيَ تشابِهُ حرفَ الشَّرطِ (إنْ)؛ لأنَّ كلّاً منهُما يُفيدُ التَّعليقَ والجزاءَ الَّذي يتَّضحُ منَ الجملةِ الَّتي بعدَهَا.

ومَثَّلَ ابنُ مالكٍ بمثالٍ آخرَ وهوَ (هنا)، نحوِ: (اجلسِ هنا) اسمُ إشارةٍ، وهوَ إشارةٌ إلى مكانٍ، فبُنِيَ لتضمُّنِهِ معنى الإشارةِ؛ لأنَّهُ كالتَّشبيهِ والتَّنبيهِ والخطابِ وغيرِ ذلِكَ منْ معاني الحروفِ، ولمْ يوضعْ للإشارةِ حرفُ يدلُّ عليها.

والمعنى: أنَّ أسماءَ الإشارةِ الَّتي تشيرُ إلى المكانِ وإلى الذَّواتِ (هذا، هذهِ، هذانِ، هاتانِ، هؤلاءِ)، وأسماءُ الإشارةِ الَّتي تشيرُ إلى المكانِ (هنا، هنالِكَ، ثَمَّ)، مبنيَّةٌ بسببِ مشابهتِهَا للحرفِ مشابهةً معنويَّةً، يعني أنَّها تشبهُ حرفاً منَ الحروفِ معناهُ الإشارةُ، لكنَّ العربَ لمْ تضعْ للإشارةِ حرفاً، فـ (هنا) شبيهةٌ بحرفٍ كانَ يستحقُّ الوضعَ.

-وكَنِيَابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلَا تَأَثُّرٍ: الشَّبَهُ النِّيابيُّ (الاستعماليُّ)، ومعناهُ أنْ يشبِهَ الاسمُ الحرفَ في كونِهِ ينوبُ عنْ الفعلِ، أي عاملاً عملَهُ، ويكونُ معَ ذلِكَ غيرَ متأثِّرٍ بالعواملِ لا لفظاً ولا محلّاً، نحوَ: أسماءِ الأفعالِ (صهْ، هيهاتَ) فهما مبنيَّانِ لأنَّهُمَا:

١ -أشبها الحرفَ في النِّيابةِ عنِ الفعلِ، فالحرفُ (لعلَّ) نابَ عنِ الفعلِ (أترجَّى)، و(هيهاتَ) نابَ عنِ الفعلِ (بَعُدَ)، و(صهْ) نابَ عنِ الفعلَ (اسكتْ).

٢ –لأنَّهُ لا يَدخلُ عليهِما عاملٌ، فالحروفُ لا تدخلُ عليها العواملُ، فلا تقعُ فاعلاً أوْ مفعولاً، ومثلُهَا الفعلُ (صهْ) مبنيٌّ على السُّكونِ، و(هيهاتَ) مبنيٌّ على الفتحِ، وكلاهُما لا محلَّ لَهُ منَ الإعرابِ.

-وَكَافْتِقَارٍ أُصِّلا: الشَّبَهُ الافتقاريُّ، أيْ أنْ يكونَ الاسمُ مفتقراً إلى اللُّزومِ افتقاراً متأصِّلاً إلى جملٍة أو شبهِهَا، مثلَ الأسماءِ الموصولةِ تشبهُ الحروفَ لأنَّها تفتقرُ في بيانِ معناها لِـما بعدَها افتقاراً متأصِّلاً، نحوَ: (الَّذي والَّتي وغيرِهِما…)، فهذهِ الأسماءُ الموصولةُ تحتاجُ إلى صلةٍ بعدَها تُوضِّحُ معناها، ومثلُها الحرفُ لا يظهرُ معناهُ إلَّا بمجرورٍ بعدَهُ.

لذا لا بدَّ منْ شرطينِ:

١ –الافتقارُ إلى جملةٍ أو شبهِها.

٢ –الأصالةُ.

فإنِ اختلَّ أحدُ هذينِ الشَّرطينِ أُعْرِبَ الاسمُ، ولمْ يُبْنَ.

خلاصةُ القولِ:

إنَّ البناءَ بالنَّظرِ إلى أوجِهِ الشَّبهِ الَّتي ذكرَها ابنُ مالكٍ يكونُ في ستَّةِ أبوابٍ:

١ –الضَّمائرُ.

٢ –الاستفهامُ.

٣ –أسماءُ الشَّرطِ.

٤ –أسماءُ الإشارةِ.

٥ –أسماءُ الأفعالِ.

٦ –الأسماءُ الموصولةُ.

–ومُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا … مِنْ شَبَهِ الحَرْفِ كَأَرْضٍ وَسُمَا

الاسمُ المعربُ هوَ الاسمُ الَّذي سَلِمَ منْ مشابهةِ الحرفِ.

-سَلِمَا: يشيُر ابنُ مالكٍ هنا إلى أنَّ الاسمَ المعربَ هوَ الأصلُ؛ لخلوِّهِ منَ العللِ الموجبةِ للبناءِ، وهوَ مذهبُ الجمهورِ.

وبابُ المعرباتِ منَ الأسماءِ أوسعُ باباً منَ المبنيَّاتِ، وقدْ ثَبُتَ أنَّ الكثرةَ لها الأصالةُ.

-منْ شَبَهِ الحرفِ: فنفى البناءَ عنْ كلِّ ما لمْ يشبِهِ الحرفَ، فدلَّ على أنَّ شَبَهَ الحرفِ عندَهُ هوَ الموجبُ للبناءِ لا غيرُهُ.

-كأرضٍ وسُما: هنا مَثَّلَ على الأسماءِ المعربةِ بمثالينِ: (أرضٍ، وسُما).

-سُما: وهوَ إحدى لغاتِ الاسمِ السِّتَّةِ (اسمٌ)، وهيَ: اُسْمٌ، اِسْمٌ، سُمٌ، سِمٌ، سُمَا، سِمَا.

وقيلَ فيهِ عشرُ لغاتٍ، وهيَ:

اُسْمٌ، اِسْمٌ، أَسْمٌ، سُمٌ، سِمٌ، سَمٌ، سُمَا، سِمَا، سَمَا، سماة.

القاعدةُ المستنبطةُ

الاسمُ المعربُ: هوَ ما لمْ يشبِهِ الحرفَ، وينقسمُ إلى صحيحٍ؛ وهوَ ما ليسَ آخرُهُ حرفَ علَّةٍ، كأرضٍ.

وإلى معتلٍّ؛ وهوَ ما آخرُهُ حرفُ علَّةٍ، كسُما.

نستنتجُ منْ إيرادِ ابنِ مالكٍ لهذينِ المثالينِ (أرضٍ وسُما) أنَّ الأسماءَ المعربةَ نوعانِ:

١ –الَّذي تتغيَّرُ حركةُ آخرِهِ تغيُّراً لفظيّاً، أيْ يظهرُ في اللَّفظِ فيظهرُ في السَّماعِ، نحوُ: (أرضٌ، أرضاً، أرضٍ).

وبما أنَّ حركةَ آخرِ (أرضٍ) ظاهرةٌ في اللَّفظِ، فهيَ ظاهرةٌ في السَّماعِ، فتتغيَّرُ حركةُ آخرِهِ تغيَّراً لفظيّاً.

٢ –ما تتغيَّرُ حركةُ آخرِهِ تغيُّراً تقديريّاً: أيْ لا تظهرُ في اللَّفظِ، لكنَّها تُقدَّرُ، ومنها كلمةُ (سُما): فهيَ كلمةٌ مختومةٌ بألِفٍ، والألِفُ في اللُّغةِ العربيَّةِ ملازمةٌ للسُّكونِ لا تتحرَّكُ بفتحةٍ أوْ ضمَّةٍ أوْ كسرٍ.

استدراكٌ

وينقسمُ المعربُ أيضاً إلى:

١ -متمكِّنٍ أمكنٍ: وهوَ المنصرفُ، كزيدٍ وعمروٍ.

٢ -متمكِّنٌ غيرُ أمكنٍ: وهوَ غيرُ المنصرفُ، نحوُ: أحمدُ، ومساجدُ، ومصابيحُ.

فغيرُ المتمكِّنِ هوَ المبنيُّ، والمتمكِّنُ هوَ المعربُ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى