شرح ألفية ابن مالك

أقسام اسم العلم في ألفية ابن مالك

أقسامُ العَلَمِ

قالَ ابنُ مالكٍ:

٧٤ –وَاسْماً أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا … وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا

٧٥ –وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ … حَتْماً وَإِلَّا أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ

٧٦ -وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ … وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ

٧٧ –وَجُـمْلَةٌ وَمَا بِمَزْجٍ رُكِّبَا … ذَا إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا

٧٨ -وَشَاعَ فِي الْأَعْلَامِ ذُو الإِضَافَهْ … كَعَبْدِ شَمْسٍ وَأَبِي قُحَافَهْ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

–وَاسْماً أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا … وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا

بدأَ ابنُ مالكٍ بتقسيمِ العَلَمِ إلى مجموعتينِ:

الأولى: بحسبِ دلالتِهِ في أصلِ وضعِهِ علماً على مسمَّاهُ.

والثَّانيةُ: بحسبِ المقاصدِ الطَّارئةِ على ذلِكَ القصدِ الأوَّلِ، مِنْ جهةِ اللَّفظِ ودلالَتِهِ على معنىً سابقٍ.

أمَّا المجموعةُ الأولى فهيَ في البيتينِ ٧٤ و٧٥.

-وَاسْماً أَتَى: يعني ليسَ كنيةً ولا لقباً، ومعَ أنَّ اللَّقبَ والكنيةَ اسمانِ علمانِ لكنَّ ابنَ مالكٍ أرادَ الاسمَ الخاصَّ بالمسمَّى، نحوُ: زيدٍ وعمروٍ.

-وَكُنْيَةً وَلَقَبَا: الكنيةُ: ما أُضيفَ إليهِ الأبُ أوِ الأمُّ، نحوُ: أبو القاسمِ، وأبو بكرٍ، وأمُّ قيسٍ، وأمُّ كلثومٍ.

واللَّقبُ: ما غلبَ على المسمَّى حتَّى اشتهرَ بِهِ على جهةِ الرِّفعةِ أوِ الضَّعةِ، نحوُ: عتيقٍ، وسيبويهِ، وزينِ العابدينَ، وكرزٍ.

ثُمَّ أَلحقَ ابنُ مالكٍ بهذا القسمِ حُكمينِ أفردَهُ بهِمَا عمَّا تقدَّمَ:

الأوَّلُ: تأخيرُهُ إنْ صَحِبَ غيرَهُ مِنْ اسمٍ أو كنيةٍ، وهذا في قولِهِ:

-وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا: يعني بكلمةِ (ذا) اللَّقبَ، أي: يجبُ تأخيرُ اللَّقبِ عنِ الاسمِ والكنيةِ.

-إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا: يعني إذا صَحِبَ اللَّقبُ الاسمَ والكنيةَ وجبَ تأخيرُ اللَّقبِ؛ لأنَّ اللَّقبَ بمنزلةِ الصِّفةِ، والصَّفةُ لا تكونُ إلَّا بعدَ معرفةِ الموصوفِ، فنقولُ: جاءَ زيدٌ أبو بكرٍ زينُ العابدينَ، ولا نقولُ: جاءَ زينُ العابدينَ زيدٌ أبو بكرٍ.

وهذا حسبَ كلامِ المؤلِّفِ، لكنْ يُستثنى مِنْ ذلِكَ إذا كانَ الإنسانُ مشهوراً بلقبِهِ؛ فإنَّهُ يجوزُ تقديمُ اللَّقبِ كقولِهِ تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ} [النِّساءُ:١٧١]، فهنَا قَدَّمَ اللَّقبَ؛ لأنَّهُ كانَ مشهوراً بِهِ.

………………..

–وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ … حَتْماً وَإِلَّا أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ

-وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ: أي اللَّقبُ والمصاحبُ لَهُ مِنْ اسمٍ أو كنيةٍ إنْ كانَا مفردينِ غيرَ مركَّبينِ، نحوُ: جاءَ زيدُ كرزٍ.

-فَأَضِفْ … حَتْماً: أي عندهَا تكونُ الإضافةُ واجبةً، نحوُ: جاءَ زيدُ كرزٍ، وهذا عندَ البصريِّينَ.

وأجازَ الكوفيُّونَ الإتباعَ، أي إتباعَ الثَّاني للأوَّلِ على أنَّهُ بدلٌ منهُ أو عطفُ بيانٍ، نحوُ: جاءَ زيدٌ كرزٌ، ورأيْتُ زيداً كرزاً، ومررْتُ بزيدٍ كرزٍ.

-وَإِلَّا أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ: أي إنْ لمْ يكونَا مفردينِ وكانَا مركَّبينِ، نحوُ: جاءَ عبدُ اللهِ زينُ العابدينَ، أو مركَّباً ومفرداً، نحوُ: جاءَ زيدٌ زينُ العابدينَ، امتنعَتِ الإضافةُ للطُّولِ، ووجبَ الإتباعُ؛ فتُتْبِعُ الثَّاني الأوَّلَ في إعرابِهِ.

ويجوزُ القطعُ إلى الرَّفعِ أوِ النَّصبِ، نحوُ: مررْتُ بزيدٍ أنفُ النَّاقةِ وأنفَ النَّاقةِ، فالرَّفعُ على إضمارِ مبتدأٍ، والتَّقديرُ: هوَ أنفُ النَّاقةِ، والنَّصبُ على إضمارِ فعلٍ، والتَّقديرُ: أعني أنفَ النَّاقةِ.

أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ: أي اجعلِ الكنيةِ أوِ اللَّقبَ تابعاً للاسمِ في الإعرابِ.

………………….

–وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ … وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ

بدأَ في هذا البيتِ بالمجموعةِ الثَّانيةِ مِنْ أقسامِ العَلَمِ، وهيَ أقسامُ العَلَمِ بحسبِ المقاصدِ الطَّارئةِ على ذلِكَ القصدِ الأوَّلِ، مِنْ جهةِ اللَّفظِ ودلالتِهِ على معنىً سابقٍ.

أي قَسَّمَ العَلَمَ بحسبِ اللَّفظِ ودلالتِهِ على معناهُ قبلَ العَلميَّةِ إلى أربعةِ أقسامٍ: مفردٍ، وجملةٍ، ومركَّبٍ تركيبَ مزجٍ وخلطٍ، وذو إضافةٍ.

أمَّا المفردُ فهوَ ما عنى بقولِهِ:

-وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ: وهنا قَسَّمَ المفردَ إلى نوعينِ، المنقولِ والـمُرْتَجَلِ.

المنقولُ: وهوَ الَّذي لَهُ أصلٌ في النَّكراتِ مستعملٌ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الشَّخصُ، ومعنى النَّقلِ: أنْ يصيرَ علماً لشخصٍ معيَّنٍ بعدَ أنْ كانَ موضوعاً ليدلَّ على معنىً من المعاني الجنسيَّةِ، كأنَّهُ نُقِلَ عنْ موضعِهِ في الأصلِ إلى غيرِهِ، وضَرَبَ لَهُ مثالينِ:

١ –فضلٌ: وهوَ منقولٌ مِنْ مصدرِ قولِكَ: فَضُلَ الرَّجُلُ يفضُلُ فضلاً، فهوَ فاضلٌ.

٢ -أسدٌ، وهوَ منقولٌ مِنْ اسمِ جنسِ الحيوانِ المفترسِ.

-وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ: وهنا وضَّحَ النَّوعَ الثَّاني مِنَ المفردِ، وهوَ:

الـمُرْتَجَلُ: وهوَ الَّذي ليسَ لَهُ أصلٌ في النَّكراتِ، ولا استُعمِلَ قبلَ العَلَمِيَّةِ لغيرِهَا، نحوُ: سعادَ وأددٍ.

أمَّا سعادُ، فهوَ: اسمُ امرأةٍ لمْ تُستعملْ بُنْيَتُهُ في النَّكراتِ، واستُعملَتْ مادَّةُ (س ع د) في السَّعْدِ، والسَّاعِدِ، والسَّعدانِ، وغيرِ ذلِكَ.

وأددٌ: اسمٌ لأبي قبيلةٍ مِنَ اليمنِ، وهوَ أددُ بنُ زيدِ بنِ كهلانَ بنِ سبأِ بنِ حميرَ، وذكرَ سيبويهِ أنَّهُ مِنَ (الوُدِّ) مِنْ مادَّةِ (ود د)، وهذهِ مستعملةُ في الوُدِّ، والوَدودِ وغيرِهِمَا.

………………….

وَجُـمْلَةٌ وَمَا بِمَزْجٍ رُكِّبَا … ذَا إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا

-وَجُـمْلَةٌ: وهوَ العَلمُ المركَّبُ تركيبَ إسنادٍ؛ أيِ الَّذي كانَ جملةً في الأصلِ، نحوُ: بَرَقَ نَحْرُهُ.

-وَمَا بِمَزْجٍ رُكِّبَا: وهوَ العلمُ المركَّبُ تركيباً مزجياً؛ أي كلُّ اسمينِ جُعلا اسماً واحداً مُنَزَّلاً ثانيُهُمَا منزلةَ هاءِ التَّأنيثِ، نحوُ: بَعْلَبَكَّ.

-ذَا: يُشيرُ إلى المركَّبِ تركيبَ مزجٍ.

-إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ: أي إنْ لمْ يُختمْ بـ ويهِ، وتَمَّ: يعني: خُتِمَ.

-أُعْرِبَا: أي أُعربَ إعرابَ الاسمِ الممنوعِ مِنَ الصَّرفِ.

أمَّا المركَّبُ المزجيُّ المختومُ بـ ويهِ، نحوُ: سيبويهِ وعمرويهِ، فإنَّهُ مبنيٌّ على الكسرِ.

………………….

وَشَاعَ فِي الْأَعْلَامِ ذُو الإِضَافَهْ … كَعَبْدِ شَمْسٍ وَأَبِي قُحَافَهْ

-وَشَاعَ فِي الْأَعْلَامِ ذُو الإِضَافَهْ: أي كَثُرَ في أسماءِ العَلمِ واشتُهِرَ المركَّبُ تركيبَ إضافةٍ.

ومعنى المركَّبِ تركيباً إضافياً: كلُّ اسمينِ جُعِلا اسماً واحداً، مُنزَّلاً ثانيُهُمَا مِنَ الأوَّلِ منزلةَ التَّنوينِ.

-كَعَبْدِ شَمْسٍ وَأَبِي قُحَافَهْ: ضَرَبَ ابنُ مالكٍ مثالاً على العَلمِ المركَّبِ تركيبَ إضافةٍ وهوَ: عبدُ شمسٍ، وأبو قحافةَ. وعبدُ شمسٍ: عَلَمٌ على جدٍّ مِنْ أجدادِ عربِ قريشٍ، وأبي قحافةَ علمٌ على والدِ أبي بكرٍ الصِّديقِ.

وأرادَ بهذينِ المثالينِ التَّنبيهَ على أنَّ الجزءَ الأوَّلَ مِنْ هذا العَلمِ إنَّمَا يكونُ معرباً بالحركاتِ كعبدِ، وبالحروفِ كأبي، بينما يكونُ الجزءُ الثَّاني إمَّا منصرفاً كشمسٍ، أو ممنوعاً مِنَ الصَّرفِ كقحافةَ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى