شرح ألفية ابن مالك

نون الوقاية ومواضعها في ألفية ابن مالك

قالَ ابنُ مالكٍ:

٦٨ –وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ الْتُزِمْ … نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسِي قَدْ نُظِمْ

٦٩ -وَلَيْتَنِي فَشَا وَلَيْتِي نَدَرَا … وَمَعْ لَعَلَّ اعْكِسْ وَكُنْ مُخَيَّرَا

٧٠ -فِي الْبَاقِيَاتِ وَاضْطِرَاراً خَفَّفَا … مِنِّي وَعَنِّي بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفَا

٧١ -وَفِي لَدُنِّي لَدُنِي قَلَّ وَفِي … قَدْنِي وَقَطْنِي الْـحَذْفُ أَيْضاً قَدْ يَفِي

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

–وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ الْتُزِمْ … نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسِي قَدْ نُظِمْ

-وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ: أي قبلَ (ياءِ النَّفْسِ)، وهيَ الياءُ الدَّالةُ على النَّفسِ، أيِ الَّتي هيَ ضميرُ المتكلِّمِ، وأرادَ ياءَ النَّفسِ بالمدِّ لكنَّهُ قَصَرَهُ ضرورةً.

-الْتُزِمْ … نُونُ وِقَايَةٍ: يعني أنَّ نونَ الوقايةِ تلزمُ دخولَهَا على الفعلِ لا معَ غيرِهِ، فإنْ لحقَتْ غيرَ الفعلِ فهوَ على الجوازِ والسَّماعِ.

-وَلَيْسِي قَدْ نُظِمْ: يعني بـ (ليسي) أنَّهُ قدْ وردَ حذفُ نونِ الوقايةِ مِنَ الفعلِ (ليسني) قبلَ ياءِ المتكلِّمِ ضرورةً في الشِّعرِ فقطْ، وهذا معنى (قدْ نُظِمْ).

ومثالُهُ قولُ الشَّاعرِ:

عَدَدْتُ قومي كَعَدِيدِ الطَّيْسِ … إذْ ذَهَبَ القوْمُ الكرامُ ليْسي

………………..

–وَلَيْتَنِي فَشَا وَلَيْتِي نَدَرَا … وَمَعْ لَعَلَّ اعْكِسْ وَكُنْ مُخَيَّرَا

فِي الْبَاقِيَاتِ وَاضْطِرَاراً خَفَّفَا … مِنِّي وَعَنِّي بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفَا

في هذينِ البيتينِ ذكرَ لحاقَ نونِ الوقايةِ الحرفَ.

-وَلَيْتَنِي فَشَا: يعني أنَّ الفاشيَ والمشهورَ في كلامِ العربِ لحاقُ نونِ الوقايةِ في (ليتَ)، نحوُ: ليتَنِي فعلْتُ كذا، قالَ تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} و {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً}.

-وَلَيْتِي نَدَرَا: أي قدْ تُحذَفُ نونُ الوقايةِ مِنْ (ليتنِي) فتصبحُ (ليتِي)، وهوَ نادرٌ، ويعني بالنَّادرِ أنَّ الأصلَ في هذهِ الحروفِ ألَّا تلحقهَا نونُ الوقايةِ، فجاءَ على مراعاةِ الأصلِ، فلمْ تلحقْ.

ومنهُ قولُ زيدِ الخيرِ:

كمُنْيةِ جابرٍ إِذْ قَالَ لَيْتَنِي … أُصَادفُهُ ويَهْلِكَ جُلُّ مَالِي

-وَمَعْ لَعَلَّ اعْكِسْ: يعني أنَّ دخولَ نونِ الوقايةِ معَ (لعلَّ) يكونُ حكمُهُ عكسَ حكمِ (ليتَ)، أي إنَّ الفاشيَ والمشهورَ في (لعلَّ) عدمُ لحاقِ نونِ الوقايةِ بِهَا، والنَّادرُ لحاقُهَا.

ومثالُ المشهورِ، قولُهُ تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}.

ووجهُ ذلِكَ أنَّ لعلَّ آخرُهُ لامٌ، واللَّامُ قريبةٌ مِنَ النُّونِ، ولذلِكَ تُدغَمُ فيهَا حتَّى تُبْدَلَ لاماً.

ومثالُ النَّادرِ قولُ الشَّاعرِ:

فَقُلْتُ: أَعِيْرَانِي الْقَدُومَ لَعَلَّنِي … أَخُطُّ بِهَا قَبْراً لأَبْيَضَ مَاجِدِ

-وَكُنْ مُخَيَّرَا … فِي الْبَاقِيَاتِ: يعني أنتَ مخيَّرٌ في الأحرفِ الباقياتِ، وهذهِ الأحرفُ مِنْ بابِ (إنَّ)، أي: إنَّ، أنَّ، لكنَّ، كأنَّ.

والَّذي دلَّنَا على أنَّ الباقياتِ هيَ مِنْ بابِ (إنَّ) قولُهُ (ليتَ) و(لعلَّ) في البيتِ السَّابقِ.

ويقصدُ بقولِهِ (مخيَّراً): أي في إلحاقِ النُّونِ وعدمِ إلحاقِهَا بهذهِ الأحرفِ الباقيةِ.

ومثالُ لحاقِ النُّونِ، قولُهُ تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ}.

ومثالُ عدمِ لحاقِهَا، قولُهُ تعالى: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}، {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ}.

ووجْهُ لحاقِهَا قوَّةُ الشَّبهِ بالفعلِ، ووجهُ سقوطِهَا كراهيةُ التَّضعيفِ لاجتماعِ التَّنوينِ.

-وَاضْطِرَاراً خَفَّفَا … مِنِّي وَعَنِّي بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفَا: أي إنَّ بعضَ القدماءِ مِنَ العربِ اضطرَّ في الشِّعرِ فخفَّفَ نونَ (منِّي) و(عنِّي)، والتَّخفيفُ هنَا: عدمُ لحاقِ نونِ الوقايةِ بهِمَا، كقولِ الشَّاعرِ:

أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْهُمْ وَعَنِي … لَسْتُ مِنْ قَيْس وَلاَ قَيْسُ مِنِي

………………….

وَفِي لَدُنِّي لَدُنِي قَلَّ وَفِي … قَدْنِي وَقَطْنِي الْـحَذْفُ أَيْضاً قَدْ يَفِي

في هذا البيتِ ذكرَ لحاقَ نونِ الوقايةِ الأسماءَ.

-وَفِي لَدُنِّي لَدُنِي قَلَّ: أي إذا أردْتَ عدمَ إلحاقِ نونِ الوقايةِ بـ (لدنِّي) فقُلْ (لَدُنِي)، وهوَ تخفيفٌ للنُّونِ، وهذا قليلٌ.

ومنْهُ قولُهُ تعالى: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً}، فقدْ قُرِئ َبالوجهينِ، وقراءةُ التَّخفيفِ هيَ قراءةُ نافعٍ وأبو بكرٍ.

وعنى بقولِهِ (قلْ): أي إنَّ هذا جائزٌ عندَ ابنِ مالكٍ في غيرِ الشِّعرِ.

-وَفِي … قَدْنِي وَقَطْنِي الْـحَذْفُ أَيْضاً قَدْ يَفِي: أي إنَّ حذفَ نونِ الوقايةِ مِنْ (قَدْنِي وَقَطْنِي) قدْ يحدُثُ كثيراً في السَّماعِ فلا يُعَدُّ شاذّاً ولا ضرورةً.

وقدْ جاءَ محذوفاً ومثبتاً في قولِ الشَّاعرِ:

قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي … لَيسَ الإِمَامُ بِالشَّحِيحِ المُلْحِدِ

ومعنى قَدْنِي: حسبي وكفاني.

ومثالُ حذفِهِ بغيرِ الشِّعرِ ما جاءَ في الحديثِ عنْ جهنَّمَ: (فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ)، رواهُ البخاريُّ.

ومثالُ ما لحقتْهُ النُّونُ، قولُ الشَّاعرِ:

امْتَلأَ الحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي … مَهْلاً رُوَيْداً قَدْ مَلأْتَ بَطْنِي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى