الضمير المنفصل والضمير المتصل
قال ابن مالك:
-وذو ارتفاع وانفصال أنا هو … وأنت والفروع لا تشتبه
-وذو انتصاب في انفصال جعلا … إياي والتفريع ليس مشكلا
-وفي اختيار لا يجيء المنفصل… إذا تأتى أن يجيء المتصل
-وصل أو افصل هاء سلنيه وما … أشبهه في كنته الخلف انتمى
-كذاك خلتنيه واتصالا … أختار غيري اختار الانفصالا
-وقدم الأخص في اتصال … وقدمن ما شئت في انفصال
-وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا … وقد يبيح الغيب فيه وصلا
شرحُ مفرداتِ الأبياتِ
–وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ وَالْفُرُوعَ لَا تَشْتَبِهُ
-وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ: يعني ضمائرَ الرَّفعِ المنفصلةِ، ومَثَّلَ لهَا بـ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ.
-وَالْفُرُوعَ لَا تَشْتَبِهُ: يعني أنَّ الضَّمائرَ الَّتي تتفرَّعُ مِنَ الَّتي ذَكَرَهَا واضحةٌ، وفَرْعُ أنا: نحنُ.
وفُروعُ هوَ: هيَ همَا همْ هنَّ. وفروعُ أنتَ: أنتِ أنتُمَا أنتمْ أنتنَّ.
–وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلَا … إِيَّايَ وَالتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلَا
-وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلَا … إِيَّايَ: أي إنَّ ضمائرَ النَّصبِ المنفصلةَ هيَ إيَّايَ وفروعُهَا.
-وَالتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلَا: أي إنَّ ضمائرَ النَّصبِ المنفصلةَ الَّتي تتفرَّعُ مِنْ إيَّايَ لا تُشكِلُ على الفَهمِ، وهيَ: إيَّانَا، إيَّاكَ، إيَّاكِ، إيَّاكُمَا، إيَّاكُمْ، إيَّاكُنَّ، إيَّاهُ، إيَّاهَا، إيَّاهُمَا، إيَّاهُمْ، إيَّاهُنَّ.
–وَفِي اخْتِيَارٍ لَا يَجِيءُ الْـمُنْفَصِل… إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْـمُتَّصِل
أي لا نستخدمُ الضَّميرَ المنفصلَ إذا استطعْنَا أنْ نستخدمَ المتَّصلَ، إلَّا في حالاتٍ خاصَّةٍ، فلا نقولُ: سمعْتُ إيَّاكَ، بلْ نقولُ: سمعْتُكَ.
ومِنَ المواضعِ الَّتي نستخدمُ فيهَا الضَّميرَ المنفصلَ:
١ -أنْ يُحصرَ بإلَّا، أمَّا (إلَّاكَ) فشاذٌّ لا يُقاسُ عليهِ.
٢ -أنْ يُحصَرَ بإنَّمَا كقولِ الفرزدقِ:
أنا الذَّائدُ الحامي الذِّمارَ وإنَّمَا … يُدافعُ عنْ أحسابِهُم أنا أو مثلي
٣ -أنْ يُرفعَ بمصدرٍ مضافٍ إلى المنصوبِ، كقولِ الشَّاعرِ:
بنصرِكُمُ نحنُ كنتمْ ظافرينَ وقدْ … أغرى العِدا بكُمُ استسلامكُم فشلا
٤ -أنْ يُرفعَ بصفةٍ جرَتْ على غيِر صاحبِهَا، نحوُ: زيدٌ عمروٌ ضاربُهُ هوَ، بشرطِ خوفِ اللَّبسِ عندَ الكوفيِّينَ، وهوَ مطلقٌ عندَ البصريَّينَ.
٥ -أنْ يحذفَ عاملُهُ، نحوُ:
فإنْ أنتَ لمْ ينفعْكَ علمُكَ فانتسبْ … لعلَّكَ تهديكَ القرونُ الأوائلُ
حيثُ انفصلَ الضَّميرُ (أنتَ) لـمَّا أُضمِرَ العاملُ، وهوَ فعلُ الشَّرطِ.
٦ -أنْ يُؤخَّرَ عاملُهُ، نحوُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
٧ -أنْ يكونَ العاملُ حرفَ نفيٍ، نحوُ: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}.
٨ -أنْ يفصلَهُ متبوعٌ، نحوُ: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ}.
٩ -أن يلي الضَّميرُ واوَ المصاحبةِ، نحوُ:
فآلَيْتُ لا أَنْفَكُّ أحْذُو قصيدةً … تكونُ وإيَّاهَا بِهَا مَثَلاً بَعْدِي
حيثُ جاءَ الضَّميرُ (إيَّاها) منفصلاً؛ لكونِهِ جاءَ بعد َواوِ المصاحبةِ.
١٠ -أنْ يأتي بعدَ (إمَّا)، نحوُ:
بِكَ أَوْ بِي استَعَانَ فَلْيَلِ إِمَّا … أَنَا أوْ أَنْتَ مَا ابْتَغَى المُسْتَعِينُ
حيثُ جاءَ الضَّميرُ (أنا) منفصلاً؛ لأنَّهُ وقعَ فيمَا يلي إمَّا، وتعذَّرَ الاتِّصالُ فيهِ.
١١ -الضَّرورةُ الشِّعريَّةُ:
جاءَ الضَّميُر في الشِّعرِ منفصلاً معَ إمكانِ الإتيانِ بِهِ متصلاً، كقولِ الشَّاعرِ:
بالباعثِ الوارثِ الأمواتَ قدْ ضمنَتْ … إيَّاهُمُ الأرضُ في دهرِ الدَّهاريرِ
ولو جاءَ بغيرِ الشِّعرِ لوجبَ أنْ يقولَ: قدْ ضمنَتْهُمُ الأرضُ.
–وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا … أَشْبَهَهُ فِي كُنْتُهُ الْـخُلْفُ انْتَمَى
-وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا أَشْبَهَهُ: أي يجوزُ وصلُ الضَّميرِ أو فصلُهُ في كلِّ فعلٍ يشبُهُ (سلنِيهِ) فيتعدَّى إلى مفعولينِ الثَّاني منهُمَا ليسَ خبراً في الأصلِ وهمَا ضميرانِ، فيمكنُ أنْ نقولَ: المالَ سلنِيهِ، والمالَ سلني إيَّاهُ.
ومثلُهُ: الدِّرهمَ أعطيتُكُهُ وأعطيتُكَ إيَّاهُ.
والاتِّصالُ أرجحُ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا}، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً}.
-فِي كُنْتُهُ الْـخُلْفُ انْتَمَى:
في كُنتُهُ: يعني في خبرِ كانَ وأخواتِهَا.
الخُلْفُ: أيِ الخلافُ.
انتمى: انتسبَ إلى النَّحويِّينَ.
أي: يجوزُ وصلُ الضَّميرِ أو فصلُهُ في خبرِ كانَ وأخواتِهَا، نحوُ: كُنْتُهُ وكُنْتُ إيَّاهُ، وهوَ على خلافٍ بينَ النَّحاةِ.
كَذَاكَ خِلْتَنِيهِ وَاتِّصَالَا … أَخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالَا
كَذَاكَ خِلْتَنِيهِ: يعني أنَّ هاءَ (خِلْتَنِيهِ) كهاءِ (كُنْتُهُ) في الخلافِ، ويقصدُ بـ خلتنيهِ: خالَ الَّتي هيَ منْ أخواتِ ظنَّ.
وَاتِّصَالَا … أَخْتَارُ: أي يختارُ ابنُ مالكٍ الاتِّصالَ في (كُنْتُهُ وخِلْتَنِيهِ).
غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالَا: وهمْ أكثرُ النُّحاةِ ومنهُمْ سيبويهِ.
وَقَدِّمِ الْأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ … وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ
وَقَدِّمِ الْأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ: أي عندَ اتِّصالِ الضَّميرِ قدِّمِ الأخصَّ، ويعني بتقديمِ الأخصِّ تقديمَ ضميرِ المتكلِّمِ على المخاطَبِ والمخاطَبِ على الغائبِ؛ لأنَّ المتكلِّمَ أخصُّ مِنَ المخاطَبِ، والمخاطَبَ أخصُّ مِنَ الغائبِ، نحوُ: (المالَ أعطيتُكَهُ وأعطيتَنِيهِ) بتقديمِ الكافِ والياءِ على الهاءِ؛ لأنَّهُمَا أخصُّ مِنَ الهاءِ.
فالكافُ للمخاطَبِ والياءُ للمتكلِّمِ والهاءُ للغائبِ.
ولا يجوزُ تقديمُ الغائبِ في الاتِّصالِ؛ فلا تقولُ: أعطيتُهُوكَ ولا أعطيتهُمونى وأجازَهُ قومٌ.
وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ: أي عندَ الفصلِ يمكنُكَ تقديمُ المتكلِّمِ على المخاطَبِ أوِ العكسُ، وتقديمُ المخاطَبِ على الغائبِ أوِ العكسُ، نحوُ:
المالَ أعطيتُكَ إيَّاهُ وأعطيتَنِي إيَّاهُ، والمالَ أعطيتُهُ إيَّاكَ وأعطيتُهُ إيَّاي.
وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا … وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلَا
وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا: أي يجبُ أنْ تلتزمَ الفصلَ في حالةِ اتِّحادِ رتبةِ الضَّميرينِ المنصوبينِ، ولمْ يكنْ فيهِمَا أخصُّ، بأنْ يكونَا لمتكلِّمٍ أو لمخاطَبٍ أو لغائبٍ، نحوُ: ظننْتُنِي إيَّايَ وعلمتُكَ إيَّاكَ وحسبتُهُ إيَّاهُ.
ولا يجوزُ الوصلُ هنا، فلا نقولُ: ظننتنيني، وعلمتُكَكَ، وحسبتهُوهُ.
وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلَا: أي قدْ يتَّصلُ الضَّميرانِ إنْ كانا غائبينِ، نحوُ: الزَّيدانِ الدِّرهمَ أعطيتُهُمَاهُ.
ومثلُهُ: ما رواهُ الكسائيُّ في قولِ بعضِ العربِ: همْ أحسنُ النَّاسِ وجوهاً وأنضرُهُمُوهَا.
ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:
لِوَجْهِكَ فِي الإحْسَانِ بَسْطٌ وَبهْجَةٌ … أَنَا لَهُمَاهُ قَفْوُ أَكْرَمِ والِدِ
حيثُ جاءَ الضَّميرُ الثَّاني في (أنا لَهُمَاهُ)، وهوَ الهاءُ متَّصلاً، والقياسُ أنْ يأتي منفصلاً (أنا لهما إيَّاهُ) لأنَّ الضَّميرينِ اتَّحدا رتبةً.
وقولُ آخرَ:
وَقَدْ جَعَلتْ نَفْسِي تَطيبُ لِضَغْمَةٍ … لِضَغْمِهُمَا يَقْرَعُ الْعَظْمِ نَابُهَا
حيثُ جاءَ الضَّميرُ الثَّاني في (لِضَغْمِهُمَا)، وهوَ (ها) متَّصلاً، والشَّائعُ أنْ يكونَ منفصلاً، كأنْ يُقالَ: (لِضَغْمِهُمَا إيَّاهَا)، وهذا قليلٌ.