شرح ألفية ابن مالك

شرح ضمائر الرفع وكيف نبني الضمير

قالَ ابنُ مالكٍ:

٥٧ –وَكُلُّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ … وَلَفْظُ مَا جُرَّ كَلَفْظِ مَا نُصِبْ

٥٨ -لِلرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ … كَاعْرِفْ بِنَا فَإِنَّنَا نِلْنَا الْـمِنَحْ

٥٩ -وَأَلِفٌ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ لِـمَـا … غَابَ وَغَيْرِهِ كَقَامَا وَاعْلَمَـا

٦٠ -وَمِنْ ضَمِيْرِ الرَّفْعِ مَا يَسْتَتِرُ … كَافْعَلْ أُوَافِقْ نَغْتَبِطْ إِذْ تَشْكُرُ

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

–وَكُلُّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ … وَلَفْظُ مَا جُرَّ كَلَفْظِ مَا نُصِبْ

-وَكُلُّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: أيْ إنَّ الضَّمائرَ كلَّهَا، متَّصلةً كانَتْ أمْ منفصلةً، مبنيَّةٌ وجوباً باتَّفاقِ النُّحَاةِ.

واختلفَ العلماءُ في سببِ بنائِهَا، وقدْ ذكرَ ابنُ مالكٍ في شرحِ التَّسهيلِ، لبنائِهَا أربعةُ أسبابٍ:

«ويُبْنى المُضْمَرُ لشبهِهِ بالحرفِ وضعاً وافتقاراً وجُموداً، أوْ للاستغناءِ باختلافِ صِيَغِهِ لاختلافِ المعاني».

١ -شبهُ الحرفِ وضعاً؛ لأنَّ أكثرَهُ على حرفِ أوْ حرفينِ: كتاءِ فعلْتَ، وكافِ حدَّثْتُكَ. وعلى حرفينِ كنا، وحملَ الباقي على الأكثرِ.

٢ -شبهُ الحرفِ افتقاراً؛ لأنَّ المضمرَ لا تتمُّ دلالتُهُ على مسمَّاهُ إلَّا بضميمةٍ مِنْ مشاهدةٍ أوْ غيرِهَا.

٣ -شبهُ الحرفِ جموداً، والمرادُ بالجمودِ عدمُ التَّصرفِ في لفظِهِ بوجهٍ مِنَ الوجوهِ حتَّى في التَّصغيرِ، وبأنْ يُوصفَ أوْ يوصفَ بِهِ كما فعلَ بالمبهماتِ.

٤ -الاستغناءُ باختلافِ صيغهِ لاختلافِ المعاني: أيْ إنَّ المتكلِّمَ إذا عبَّرَ عنْ نفسِهِ خاصَّةً فلَهُ تاءٌ مضمومةٌ في الرَّفعِ، وفي غيرِهِ ياءٌ. وإذا عبَّرَ عنِ المخاطبِ فلَهُ تاءٌ مفتوحةٌ في الرَّفعِ، وفي غيرِهِ كافٌ مفتوحةٌ في التَّذكيرِ ومكسورةٌ في التَّأنيثِ، فأغنى ذلِكَ عن إعرابِهِ، لأنَّ الامتيازَ حاصلٌ بدونِهِ.

قالَ الشَّارحُ: ولعلَّ هذا هوَ المعتبرُ عندَ الشَّيخِ في بناءِ المضمراتِ؛ ولذلِكَ عقَّبَهُ بتقسيمِهَا بحسبِ الإعرابِ، كأنَّهُ قصدَ بذلِكَ إظهارَ علَّةِ البناءِ، ولذا قالَ: وَلَفْظُ مَا جُرَّ كَلَفْظِ مَا نُصِبْ.

-وَلَفْظُ مَا جُرَّ كَلَفْظِ مَا نُصِبْ: أيْ إنَّ ما يَصْلُحُ للجرَّ مِنَ الضَّمائرِ المتَّصلةِ يُصلحُ للنَّصبِ أيضاً، نحوُ:

إنَّهُ، لَهُ، رأيْتُكَ، مررْتُ بِكَ.

………………..

–لِلرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ … كَاعْرِفْ بِنَا فَإِنَّنَا نِلْنَا الْـمِنَحْ

-لِلرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ: أيْ إنَّ الضَّميرَ (نا) يصلحُ للرَّفعِ والنَّصبِ والجرِّ.

ثُمَّ مَثَّلَ ابنُ مالكٍ للحالاتِ الثَّلاثةِ بتتمَّةِ البيتِ، فقالَ:

-كَاعْرِفْ بِنَا فَإِنَّنَا نِلْنَا الْـمِنَحْ: ففي قولِهِ (كَاعْرِفْ بِنَا): نا هنا محلُّهَا الجرُّ بحرفِ الجرِّ الباءِ.

وفي قولِهِ: (فَإِنَّنَا): محلُّ (نا) هنا النَّصبُ؛ لأنَّهُ اسمُ إنَّ.

وفي قولِهِ: (نِلْنَا الْـمِنَحْ): محلُّ (نا) الرَّفعُ بعدَ الفعلِ (نالَ) على أنَّهُ فاعلٌ.

وقدِ اجتمعَتْ في قولِهِ تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} [آلُ عمرانَ:١٦].

………………….

–وَأَلِفٌ وَالْوَاوُ وَالنُّونُ لِـمَـا … غَابَ وَغَيْرِهِ كَقَامَا وَاعْلَمَـا

أيْ إنَّ الضَّمائرَ وهيَ (ألفُ الاثنينِ، وواوُ الجمعِ، ونونُ الإناثِ)، وهيَ ضمائرُ رفعٍ بارزةٌ متَّصلةٌ، تكونُ للغائبِ تارةً وللمخاطبِ أخرى، وهذا ما أرادَهُ بكلمةِ (وَغَيْرِهِ).

وضربَ ابنُ مالكٍ مثالاً: (كَقَامَا وَاعْلَمَـا) فالألفُ في قامَا للغائبَيْنِ، وفي اعلما للمخاطبَيْنِ.

ولوْ أردْنَا القياسَ على الألفِ في الواوِ والنُّونِ يكونُ المثالُ: (قامُوا واعلمُوا) للواوِ، و(قُمْنَ واعلَمْنَ) للنُّونِ.

ومِنْ أمثلتِهَا في القرآنِ الكريمِ: وقوعُهَا للغائبِ {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعرافُ:٢٣]، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الأعرافُ:٢٣] [فاطرُ:٣٤] [الزُّمرُ:٧٤]، و {قُلْنَ حَاشَ للهِ} [يوسفُ:٥١].

ومِنْ وقوعِهَا للمخاطبَ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق:٢٤]، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرةُ:٨٣]، {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ} [الأحزابُ:٣٣].

………………….

وَمِنْ ضَمِيْرِ الرَّفْعِ مَا يَسْتَتِرُ … كَافْعَلْ أُوَافِقْ نَغْتَبِطْ إِذْ تَشْكُرُ

يَقصدُ بتخصيصِ الضَّميرِ المستترِ بالرَّفعِ أنَّهُ لا يكونُ ضميرَ نصبٍ ولا جرٍ.

وضَرَبَ أمثلةً عنْ ضميرِ الرَّفعِ المستترِ:

-افْعَلْ: فهنا فعلُ أمرٍ، والضَّميرُ مستترٌ وجوباً تقديرُهُ: أنتَ، ومثالُهُ قولُهُ تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلقُ:١٩].

-أُوَافِقْ: وهنا الفعلُ مضارعٌ مبدوءٌ بهمزةِ المتكلِّمِ، والضَّميرُ مستترٌ وجوباً تقديرُهُ: أنا، ومثالُهُ قولُهُ تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرةُ:١٨٦].

-نَغْتَبِطْ: وهنا الفعلُ مضارعٌ مبدوءٌ بنونِ المتكلِّمِ، والضَّميرُ مستترٌ وجوباً تقديرُهُ: نحنُ، ومثالُهُ قولُهُ تعالى: {نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [ق:٤٣].

-تَشْكُرُ: وفي هذا المثالِ الفعلُ مضارعٌ مبدوءٌ بتاءِ الخطابِ، والضَّميرُ مستترٌ وجوباً تقديرُهُ: أنتَ، ومثالُهُ قولُهُ تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} [التَّوبةُ:١٠٨].

………………..

القاعدة

أ -كلُّ الضَّمائرِ المتَّصلةِ والمنفصلةِ هيَ مبنيَّةٌ وجوباً لا معربةٌ، وذلِكَ باتِّفاقِ النُّحَاةِ.

ما سببُ بناءِ الضَّمائرِ؟

١ –لأنَّهَا تُشبِهُ الحرفَ مِنْ حيثُ وضعِهَا؛ فأكثرُهَا حرفٌ أو حرفانِ.

٢ –لأنَّهَا تشبهُ الحرفَ افتقاراً.

٣ –لأنَّهَا تشبهُ الحرفَ جموداً.

٤ –لأنَّهَا مثلُ الحرفِ مستغنيةٌ عنْ غيرِهَا.

ب -كلُّ الضَّمائرِ المتَّصلةِ الَّتي تَصلحُ للجرِّ تصلحُ للنَّصبِ أيضاً، مثلُ: إنَّهُ، رأيتُكَ.

فيمَا يصلحُ الضَّميرُ نا للرَّفعِ والنَّصبِ والجرِّ على حدٍّ سواءٍ، كقولِهِ تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا}.

ج -ضمائرُ الرَّفعِ البارزةِ المتَّصلةِ، وهيَ ألفُ الاثنينِ وواوُ الجماعةِ ونونُ الإناثِ، تكونُ للغائبِ وللمخاطبِ.

د -ضمائرُ الرَّفعِ المستترةِ لا تكونُ ضمائرَ نصبٍ ولا جرٍّ، نحوُ: اقرأْ، أقرأُ، نقرأُ، تقرأُ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى