شرح ألفية ابن مالك

وذو ارتفاع وانفصال أنا هو وأنت والفروع لا تشتبه

قالَ ابنُ مالكٍ:

٦١ -وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ وَالْفُرُوعَ لَا تَشْتَبِهُ

٦٢ -وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلَا … إِيَّايَ وَالتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلَا

٦٣ -وَفِي اخْتِيَارٍ لَا يَجِيءُ الْمُنْفَصِل… إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْمُتَّصِل

٦٤ -وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا … أَشْبَهَهُ فِي كُنْتُهُ الْخُلْفُ انْتَمَى

٦٥ -كَذَاكَ خِلْتَنِيهِ وَاتِّصَالَا … أَخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالَا

٦٦ -وَقَدِّمِ الْأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ … وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ

٦٧ -وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا … وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلَا

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

–وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ وَالْفُرُوعَ لَا تَشْتَبِهُ

-وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ: يعني ضمائرَ الرَّفعِ المنفصلةِ، ومَثَّلَ لهَا بـ أَنَا هُوْ … وَأَنْتَ.

-وَالْفُرُوعَ لَا تَشْتَبِهُ: يعني أنَّ الضَّمائرَ الَّتي تتفرَّعُ مِنَ الَّتي ذَكَرَهَا واضحةٌ، وفَرْعُ أنا: نحنُ.

وفُروعُ هوَ: هيَ همَا همْ هنَّ. وفروعُ أنتَ: أنتِ أنتُمَا أنتمْ أنتنَّ.

………………..

–وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلَا … إِيَّايَ وَالتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلَا

-وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلَا … إِيَّايَ: أي إنَّ ضمائرَ النَّصبِ المنفصلةَ هيَ إيَّايَ وفروعُهَا.

-وَالتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلَا: أي إنَّ ضمائرَ النَّصبِ المنفصلةَ الَّتي تتفرَّعُ مِنْ إيَّايَ لا تُشكِلُ على الفَهمِ، وهيَ: إيَّانَا، إيَّاكَ، إيَّاكِ، إيَّاكُمَا، إيَّاكُمْ، إيَّاكُنَّ، إيَّاهُ، إيَّاهَا، إيَّاهُمَا، إيَّاهُمْ، إيَّاهُنَّ.

………………….

–وَفِي اخْتِيَارٍ لَا يَجِيءُ الْـمُنْفَصِل… إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْـمُتَّصِل

أي لا نستخدمُ الضَّميرَ المنفصلَ إذا استطعْنَا أنْ نستخدمَ المتَّصلَ، إلَّا في حالاتٍ خاصَّةٍ، فلا نقولُ: سمعْتُ إيَّاكَ، بلْ نقولُ: سمعْتُكَ.

ومِنَ المواضعِ الَّتي نستخدمُ فيهَا الضَّميرَ المنفصلَ:

١ -أنْ يُحصرَ بإلَّا، أمَّا (إلَّاكَ) فشاذٌّ لا يُقاسُ عليهِ.

٢ -أنْ يُحصَرَ بإنَّمَا كقولِ الفرزدقِ:

أنا الذَّائدُ الحامي الذِّمارَ وإنَّمَا … يُدافعُ عنْ أحسابِهُم أنا أو مثلي

٣ -أنْ يُرفعَ بمصدرٍ مضافٍ إلى المنصوبِ، كقولِ الشَّاعرِ:

بنصرِكُمُ نحنُ كنتمْ ظافرينَ وقدْ … أغرى العِدا بكُمُ استسلامكُم فشلا

٤ -أنْ يُرفعَ بصفةٍ جرَتْ على غيِر صاحبِهَا، نحوُ: زيدٌ عمروٌ ضاربُهُ هوَ، بشرطِ خوفِ اللَّبسِ عندَ الكوفيِّينَ، وهوَ مطلقٌ عندَ البصريَّينَ.

٥ -أنْ يحذفَ عاملُهُ، نحوُ:

فإنْ أنتَ لمْ ينفعْكَ علمُكَ فانتسبْ … لعلَّكَ تهديكَ القرونُ الأوائلُ

حيثُ انفصلَ الضَّميرُ (أنتَ) لـمَّا أُضمِرَ العاملُ، وهوَ فعلُ الشَّرطِ.

٦ -أنْ يُؤخَّرَ عاملُهُ، نحوُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

٧ -أنْ يكونَ العاملُ حرفَ نفيٍ، نحوُ: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}.

٨ -أنْ يفصلَهُ متبوعٌ، نحوُ: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ}.

٩ -أن يلي الضَّميرُ واوَ المصاحبةِ، نحوُ:

فآلَيْتُ لا أَنْفَكُّ أحْذُو قصيدةً … تكونُ وإيَّاهَا بِهَا مَثَلاً بَعْدِي

حيثُ جاءَ الضَّميرُ (إيَّاها) منفصلاً؛ لكونِهِ جاءَ بعد َواوِ المصاحبةِ.

١٠ -أنْ يأتي بعدَ (إمَّا)، نحوُ:

بِكَ أَوْ بِي استَعَانَ فَلْيَلِ إِمَّا … أَنَا أوْ أَنْتَ مَا ابْتَغَى المُسْتَعِينُ

حيثُ جاءَ الضَّميرُ (أنا) منفصلاً؛ لأنَّهُ وقعَ فيمَا يلي إمَّا، وتعذَّرَ الاتِّصالُ فيهِ.

١١ -الضَّرورةُ الشِّعريَّةُ:

جاءَ الضَّميُر في الشِّعرِ منفصلاً معَ إمكانِ الإتيانِ بِهِ متصلاً، كقولِ الشَّاعرِ:

بالباعثِ الوارثِ الأمواتَ قدْ ضمنَتْ … إيَّاهُمُ الأرضُ في دهرِ الدَّهاريرِ

ولو جاءَ بغيرِ الشِّعرِ لوجبَ أنْ يقولَ: قدْ ضمنَتْهُمُ الأرضُ.

………………….

–وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا … أَشْبَهَهُ فِي كُنْتُهُ الْـخُلْفُ انْتَمَى

-وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا أَشْبَهَهُ: أي يجوزُ وصلُ الضَّميرِ أو فصلُهُ في كلِّ فعلٍ يشبُهُ (سلنِيهِ) فيتعدَّى إلى مفعولينِ الثَّاني منهُمَا ليسَ خبراً في الأصلِ وهمَا ضميرانِ، فيمكنُ أنْ نقولَ: المالَ سلنِيهِ، والمالَ سلني إيَّاهُ.

ومثلُهُ: الدِّرهمَ أعطيتُكُهُ وأعطيتُكَ إيَّاهُ.

والاتِّصالُ أرجحُ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا}، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً}.

-فِي كُنْتُهُ الْـخُلْفُ انْتَمَى:

في كُنتُهُ: يعني في خبرِ كانَ وأخواتِهَا.

الخُلْفُ: أيِ الخلافُ.

انتمى: انتسبَ إلى النَّحويِّينَ.

أي: يجوزُ وصلُ الضَّميرِ أو فصلُهُ في خبرِ كانَ وأخواتِهَا، نحوُ: كُنْتُهُ وكُنْتُ إيَّاهُ، وهوَ على خلافٍ بينَ النَّحاةِ.

………………….

كَذَاكَ خِلْتَنِيهِ وَاتِّصَالَا … أَخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالَا

كَذَاكَ خِلْتَنِيهِ: يعني أنَّ هاءَ (خِلْتَنِيهِ) كهاءِ (كُنْتُهُ) في الخلافِ، ويقصدُ بـ خلتنيهِ: خالَ الَّتي هيَ منْ أخواتِ ظنَّ.

وَاتِّصَالَا … أَخْتَارُ: أي يختارُ ابنُ مالكٍ الاتِّصالَ في (كُنْتُهُ وخِلْتَنِيهِ).

غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالَا: وهمْ أكثرُ النُّحاةِ ومنهُمْ سيبويهِ.

………………….

وَقَدِّمِ الْأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ … وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ

وَقَدِّمِ الْأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ: أي عندَ اتِّصالِ الضَّميرِ قدِّمِ الأخصَّ، ويعني بتقديمِ الأخصِّ تقديمَ ضميرِ المتكلِّمِ على المخاطَبِ والمخاطَبِ على الغائبِ؛ لأنَّ المتكلِّمَ أخصُّ مِنَ المخاطَبِ، والمخاطَبَ أخصُّ مِنَ الغائبِ، نحوُ: (المالَ أعطيتُكَهُ وأعطيتَنِيهِ) بتقديمِ الكافِ والياءِ على الهاءِ؛ لأنَّهُمَا أخصُّ مِنَ الهاءِ.

فالكافُ للمخاطَبِ والياءُ للمتكلِّمِ والهاءُ للغائبِ.

ولا يجوزُ تقديمُ الغائبِ في الاتِّصالِ؛ فلا تقولُ: أعطيتُهُوكَ ولا أعطيتهُمونى وأجازَهُ قومٌ.

وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ: أي عندَ الفصلِ يمكنُكَ تقديمُ المتكلِّمِ على المخاطَبِ أوِ العكسُ، وتقديمُ المخاطَبِ على الغائبِ أوِ العكسُ، نحوُ:

المالَ أعطيتُكَ إيَّاهُ وأعطيتَنِي إيَّاهُ، والمالَ أعطيتُهُ إيَّاكَ وأعطيتُهُ إيَّاي.

………………….

وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا … وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلَا

وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلَا: أي يجبُ أنْ تلتزمَ الفصلَ في حالةِ اتِّحادِ رتبةِ الضَّميرينِ المنصوبينِ، ولمْ يكنْ فيهِمَا أخصُّ، بأنْ يكونَا لمتكلِّمٍ أو لمخاطَبٍ أو لغائبٍ، نحوُ: ظننْتُنِي إيَّايَ وعلمتُكَ إيَّاكَ وحسبتُهُ إيَّاهُ.

ولا يجوزُ الوصلُ هنا، فلا نقولُ: ظننتنيني، وعلمتُكَكَ، وحسبتهُوهُ.

وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلَا: أي قدْ يتَّصلُ الضَّميرانِ إنْ كانا غائبينِ، نحوُ: الزَّيدانِ الدِّرهمَ أعطيتُهُمَاهُ.

ومثلُهُ: ما رواهُ الكسائيُّ في قولِ بعضِ العربِ: همْ أحسنُ النَّاسِ وجوهاً وأنضرُهُمُوهَا.

ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:

لِوَجْهِكَ فِي الإحْسَانِ بَسْطٌ وَبهْجَةٌ … أَنَا لَهُمَاهُ قَفْوُ أَكْرَمِ والِدِ

حيثُ جاءَ الضَّميرُ الثَّاني في (أنا لَهُمَاهُ)، وهوَ الهاءُ متَّصلاً، والقياسُ أنْ يأتي منفصلاً (أنا لهما إيَّاهُ) لأنَّ الضَّميرينِ اتَّحدا رتبةً.

وقولُ آخرَ:

وَقَدْ جَعَلتْ نَفْسِي تَطيبُ لِضَغْمَةٍ … لِضَغْمِهُمَا يَقْرَعُ الْعَظْمِ نَابُهَا

حيثُ جاءَ الضَّميرُ الثَّاني في (لِضَغْمِهُمَا)، وهوَ (ها) متَّصلاً، والشَّائعُ أنْ يكونَ منفصلاً، كأنْ يُقالَ: (لِضَغْمِهُمَا إيَّاهَا)، وهذا قليلٌ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى