شرح ألفية ابن مالك

شرح وكلها يلزم بعدها صفة على ضمير لائق مشتملة

بعد أن فرغ ابن مالك من ذكر الموصولات وعدها إلا (أي) بدا في بيان صلة هذه الموصولات وعائدها فقال:

٩٦ –و كلها يلز م بعد ه صله … على ضمير لا ئق مشتمله

٩٧ –و جملة أو شبهها الذ ي وصل … به كمن عند ي الذ ي ابنه كفل

٩٨ –و صفة صر يحة صلة ال … وكو نها بمعر ب الأفعا ل قل

معنى الأبيات

وَ كُلُّهَا يَلْزَ مُ بَعْدَ هُ صِلَهْ … عَلَى ضَمِيرٍ لَا ئِقٍ مُشْتَمِلَهْ

وَكُلُّهَا: أي كلُّ الموصولاتِ حرفيَّةً أو اسميَّةً.

يَلْزَمُ: أي يجبُ أنْ يكونَ لهَا صلةٌ؛ لأنَّ هذهِ الموصولاتِ أسماءٌ ناقصةٌ لا يتمُّ معناهَا إلَّا بصلَتِهَا، فهيَ مفتقرةٌ إلى صلتِهَا وتحتاجُ إليهَا احتياجاً لازماً لبيانِ المعنى.

فنقولُ: رأيتُ الَّذي يقرأُ الكتابَ، ولا يجوزُ أنْ نقولَ: رأيتُ الَّذي.

بَعْدَهُ: أي بعدَ الاسمِ الموصولِ، فلا يجوزُ تقديمُ الصِّلةِ ولا شيءٍ منهَا على الموصولِ؛ لأنَّ صلةَ الموصولِ مِنَ الموصولِ كالجزءِ مِنَ الكلمةِ.

صِلَهْ: أي صلةُ الموصولِ، لتعرفَهُ ويتمَّ بِهَا معناهُ.

عَلَى ضَمِيرٍ لَائِقٍ: أي ضميرٍ عائدٍ على الموصولِ مطابقٍ لَهُ في الإفرادِ والتَّذكيرِ والتَّأنيثِ وفروعِهِمَا، نحوُ قولِهِ تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ)، (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)، (أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا)، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا)، (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ).

ويجوزُ في أسماءِ الموصولِ العامَّةِ، مثلُ: (مَا، ومَنْ) أنْ نراعي المعنى؛ أي نأتي بالضَّميرِ موافقاً للمعنى، نحوُ: جاءَنِي مَنْ قامَا، وإنْ راعيتَ اللَّفظَ جئْتَ بالضَّميرِ مفرداً مذكَّراً، نحوُ: جاءَنِي مَنْ قامَ.

مُشْتَمِلَهْ: أي يشملُ ما إذا كانَ الضَّميرُ هوَ معمولُ فعلِ الصِّلةِ مباشرةً، نحوُ: جاءَ الَّذي أكرمْتُهُ، فالهاءُ معمولٌ لـ (أكرمَ)، و(أكرمَ) هوَ الصِّلةُ المباشرةُ.

أو يشملُ ما لَهُ صلةٌ بمعمولِ الصِّلةِ؛ أي يتَّصلُ بمُلابِسِهِ، نحوُ: جاءَ الَّذي أكرمْتُ أباهُ.

فهنا الضَّميرُ (الهاءُ) لمْ يتَّصلْ بالصِّلةِ مباشرةً، بلِ اتَّصلَ بمعمولِ الصِّلةِ.

فشرطُ صلةِ الموصولِ:

١ –أنْ تكونَ متأخِّرةً عنِ الأسماءِ الموصولةِ.

٢ –أنْ يكونَ فيهَا عائدٌ؛ أي ضميرٌ يعودُ على الأسماءِ الموصولةِ.

وَ جُمْلَةٌ أَو شِبْهُهَا الَّذِ ي وُ صِلْ … بِهِ كَمَنْ عِنْدِ ي الَّذِ ي ابْنُهُ كُفِلْ

وَجُمْلَةٌ: أي صلةُ الموصولِ إمَّا جملةٌ، وشرطُهُا:

١ –أنْ تكونَ خبريَّةً لا إنشائيَّةً، ولهَا نوعانِ:

أ -اسميَّةٌ، نحوُ قولِهِ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ).

ب –فعليَّةٌ، وهوَ الأكثرُ كقولِهِ عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ).

٢ –أنْ تكونَ مفتقرةً إلى كلامٍ قبلَهَا ومعهودةً لا مجهولةً: أي معناهَا واضحٌ ومعروفٌ غيرُ غامضٍ.

أَو شِبْهُهَا: أي شبهُ جملةٍ، كالظَّرفِ والجارِّ والمجرورِ التَّامَّينِ، وإنَّمَا كانَ الظَّرفُ والجارُّ والمجرورُ التَّامَّينِ شبيهينِ بالجملةِ لأنَّهُمَـا يعطيانِ معناهَا؛ لكونِهِمَا متعلِّقينِ بفعلٍ مسندٍ إلى ضميرِ الموصولِ، تقديرُهُ: الَّذي استقرَّ عندَكَ أو الَّذي استقرَّ في الدَّارِ، كما في المثالِ الَّذي سيضربُهُ ابنُ مالكٍ.

الَّذِي وُصِلْ بِهِ: أي الاسمُ الموصولُ.

كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ: ضربَ ابنُ مالكٍ مثالاً على ما قالَهُ، وهوَ: مَنْ عندي الَّذي ابنُهُ كُفِلَ.

فعندي: ظرفُ مكانٍ تامٌّ، جاءَ صلةً للاسمِ الموصولِ (مَنْ).

وجملةُ (ابنُهُ كُفِلَ): جملةٌ اسميَّةٌ، صلةُ الموصولِ الاسميِّ لـ (الَّذي).

أمَّا الظَّرفُ والجارُّ والمجرورُ النَّاقصانِ، نحوُ: جاءَ الَّذي اليومَ، والَّذي بِكَ، فإنَّهُ لا يصحُّ أنْ يكونَا صلةً؛ لأنَّهُمَـا لا يشبهانِ الجملةَ لعدمِ الفائدةِ.

وَ صِفَةٌ صَرِ يحَةٌ صِلَةُ اَلْ … وَكَو نُهَا بِـمُعْرَ بِ الْأَ فْعَالِ قَلْ

وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: أي خالصةُ الوصفيَّةِ، فلا يشوبُهُا تأويلٌ.

وخَرَجَ بقولِهِ (صريحةً) عنِ المصدرِ، نحوُ: زيدٌ العدلُ، فالعدلُ هنا ليسَ صفةً صريحةً بلْ مصدراً، وعليهِ تكونُ (ال) موصولةً؛ لأنَّ (ال) الموصولةَ لا بدُّ أنْ تكونَ صلتُهَا صفةً صريحةً.

والمرادُ بهَا هنَا: اسمُ الفاعلِ، نحوُ: ضاربٍ، واسمُ المفعولِ، نحوُ: مقتولٍ، والصِّفةُ المشبَّهةُ، نحوُ: شجاعٍ، وحَسَنٍ، وفي الصِّفةِ المشبَّهةِ خلافٌ؛ لأنَّهَا تؤوَّلُ بالفعلِ؛ لأنَّهَا للثُّبوتِ.

صِلَةُ اَلْ: أي جملةُ الصِّلةِ لـ (ال) الموصولةِ.

وَكَونُهَا: أي كونُ صلةٍ (ال) توصلُ بمعربِ الأفعالِ؛ أي تدخلُ على الفعلِ المعربِ لا المبنيِّ.

بِـمُعْرَبِ الْأَفْعَالِ: أي في الفعلِ المعربِ، وهوَ المضارعُ؛ لأنَّ الماضي والأمرَ مبنيَّانِ.

قَلْ: أي قليلةٌ وشاذَّةٌ، ومنهَا قولُ الفرزدقِ:

مَا أ نتَ با لحكمِ التُّر ضى حكو مَتُهُ … ولا الأ صيلِ ولا ذ ي الرَّأ يِ و الجد لِ

حيثُ دخلَتْ (ال) التَّعريفِ على الفعلِ المضارعِ تشبيهاً لَهُ بالصِّفةِ؛ لأنَّهُ مثلُهَا في المعنى.

واختلفَ النُّحَاةُ في حكمِ (ال الموصولةِ) الدَّاخلةِ على الفعلِ المضارعِ كمَا يلي:

١ -ذهبَ ابنُ مالكٍ وجمهورُ الكوفيِّينَ إلى أنَّهُ جائزٌ في الاختيارِ، على الرَّغمِ مِنْ قلَّتِهِ، واحتجُّوا بمَا وردَ مِنَ الشَّواهدِ عنِ العربِ الَّذينَ يُحتَجُّ بشعرِهِمْ.

٢ -وذهبَ البصريُّونَ إلى أنَّ دخولَ (ال) على الفعلِ المضارعِ، لا يجوزُ إلَّا في ضرورةِ الشِّعرِ.

٣ -وذهبَ الشَّيخُ عبدُ القاهرِ الجرجانيُّ إلى أنَّهُ مِنْ أقبحِ ضروراتِ الشِّعرِ.

القاعدة النحوية

إن كل الموصولات حرفية كانت أم اسمية، هي موصولات مبهمة المدلول؛ أي لا تدل على شيء معين أو مفصل، وهي غامضة المعنى؛ وعليه لا بدل أن يكون لها شيء يزيل هذا الإبهام والغموض، وهو الصلة العائدة لها.

صلة الموصول: هي الشيء الذي يعين مدلول الموصول، ويفصل مجمله، ويجعل معناه واضحاً مفيداً إفادة كاملة.

وهي شيء لا يَستغني عنه أي موصول سواء أكان حرفياً أم اسمياً، إضافة إلى أن هذه الصلة هي التي تُعَرِّفُ الموصول الاسمي.

أنواع صلة الموصول

لصلة الموصول نوعان: إما جملة اسمية أو فعلية وإما شبه جملة، لكن الجملة هي الأصل.

ومن أمثلة صلة الموصول الجملة قول الشاعر:

و يسعى إذ ا أ بني ليهد م صا لحي * و ليس الذ ي يبني كمن شأ نه الهد م

في هذا البيت توجد لدينا صلتان هما:

جملة (يبني): وهي جملة فعلية. وجملة (شأنه الهدم) وهي اسمية.

شروط صلة الموصول

إن الغرض من صلة الموصول لا يتحقق إلا بشروط هي:

١ –أن تكون الصلة خبرية لفظاً ومعنى، ولا تكون للتعجب، مثل: اسمع الكلام الذي يفيدك.

ولا يصح أن تكون هذه الصلة إنشائية.

٢ –أن يكون معنى هذه الصلة معهوداً ومفصلاً للمخاطب، أو يكون بمنزل المعهود المفصل.

مثال الأول: قابلتُ الذي أكرمته صباحاً.

والثانية تكون واقعة في معرض التفخيم أو التهويل، نحو قوله تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}، أي كثيراً من الحكمة والعلم، ومنه أيضاً قوله عز وجل: {فغشيهم من اليم ما غشيهم}، وهو البلاء العظيم والأهوال الكثيرة.

٣ –أن تكون صلة الموصول مشتملة على ضمير يعود على اسم الموصول ويطابقه إما لفظاً ومعنى أو مطابقاً له في أحدهما، ومثاله قول الشاعر:

أَمَنْزِ لَتَيْ مَيٍّ سَلَا مٌ عَلَيكُمَا * هَلِ الْأَ زْمُنُ اللَّا تِي مَضَينَ رَوَا جِعُ

٤ –أن تتأخر الصلة وجوباً عن الموصول؛ لأنه لا يجوز أن تتقدم عليه.

٥ –أن تقع الصلة بعد الموصول مباشرة من غير فاصل بينهما.

٦ –ألا تستدعي الصلة كلاماً قبلها؛ مثل: جاء الذي لكنه حاضر، فهذا غير جائز.

٧ –ألا تكون هذه الصلة معلومة لكل فرد، نحو: رأيت الذي أنفه في وجهه، فهذا لا يصح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى