شرح ألفية ابن مالك

شرح ومن وما وال تساوي ما ذكر

في هذا الدرس الجديد من دروس شرح ألفية ابن مالك سنشرح الأسماء الموصولة مَنْ ومَا وال الموصولةُ، وسوف نعطي قاعدة نحوية مناسبة بعد أن نشرح الأبيات، تابع القراءة.

قالَ ابنُ مالكٍ:

٩٣ –وَ مَنْ وَمَا وَ اَلْ تُسَا وِي مَا ذُ كِرْ … وَ هَكَذَا ذُ و عِندَ طَيِّىءٍ شُهِرْ

٩٤ –وَ كَا لَّتِي أَ يضاً لَدِ يهِمْ ذَا تُ … وَمَو ضِعَ اللَّا تِي أَتَى ذَوَ اتُ

٩٥ -وَ مِثْلُ مَا ذَا بَعدَ مَا اسْتِفْهَا م … أَو مَنْ، إِ ذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلَا م

المعاني

وَ مَنْ وَمَا وَاَ لْ تُسَا وِي مَا ذُ كِرْ … وَ هَكَذَا ذُ و عِندَ طَيِّىءٍ شُهِرْ

وَمَنْ وَمَا وَاَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ: أي إنَّ (مَنْ، وما، وال) قدْ تأتي أسماءً موصولةً إنْ كانَتْ بمعنى (الَّذي).

وعنى بقولِهِ (ما ذُكرَ): الَّذي والَّتي ومثنَّاهُمَا وجمعَهُمَا، نحوُ:

جاءَنِي مَنْ نجحَ ومَنْ نجحَتْ، وكرَّمْتُ مَنْ نجحَا ومَنْ نجحَتَا، وكافأْتُ مَنْ نجحُوا ومَنْ نجحْنَ.

وكذلِكَ الأمرُ في كلٍّ مِنْ (ما) و(ال) الموصولةِ.

-أمَّا (ال) الموصولةُ؛ فتأتي بمعنى الاسمِ الموصولِ في اسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ، نحوُ:

{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، فالمغضوبُ اسمُ مفعولٍ، والضَّالينَ اسمُ فاعلٍ.

أمَّا إذا أتَتْ في جامدٍ فليسَتْ موصولةً، نحوُ: قامَ الرَّجلُ.

لكنَّهَا لا تُعربُ اسماً موصولاً بلْ يُنقلُ إعرابُهَا إلى صِلَتِهَا؛ أي الاسمِ بعدَهَا، فيُعربُ حسبَ موقعِهِ.

وَهَكَذَا ذُو عِندَ طَيِّىءٍ شُهِرْ: أي إنَّ كلمةَ (ذو) تأتي اسماً موصولاً أيضاً عندَ قبيلةِ طيِّىءٍ بمعنى (الَّذي والَّتي)، نحوُ: جاءَنِي ذو نَجَحَ وذو نجحَتْ، والأمرُ كذلِكَ في المثنَّى والجمعِ.

و(ذو) مبنيَّةُ، والواوُ لازمةٌ لَهَا في الرَّفعِ والنَّصبِ والجرِّ.

ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:

فَإِ نَّ الْـمَا ءَ مَا ءُ أَبِي وَجَدِّ ي … وَبِئْرِ ي ذُوْ حَفَرْ تُ وَ ذُوْ طَوَ يْتُ

يعني الَّتي حفرْتُ، والَّتي طويْتُ.

وَكَا لَّتِي أَ يضاً لَدِ يهِمْ ذَا تُ … وَمَو ضِعَ اللَّا تِي أَتَى ذَ وَاتُ

يتابعُ ابنُ مالكٍ الحديثَ عنْ قبيلةِ طيِّئٍ فيقولُ:

إنَّ آخرينَ مِنْ قبيلةِ طيِّئٍ إذا أرادُوا معنى (الَّتي) قالُوا (ذاتُ)، وإذا أرادُوا معنى (اللَّاتي) قالُوا (ذواتُ)، ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:

جَمَعتُهَا مِنْ أَ يْنُقٍ موا رِقِ … ذَوا تُ يَنْهَضْنَ بِغَيْرِ سَا ئِقِ

فذواتُ هنا بمعنى (الَّتي).

………………….

وَ مِثْلُ مَا ذَا بَعدَ مَا اسْتِفْهَا م … أَو مَنْ، إِ ذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلَ ام

وَمِثْلُ مَاذَا بَعدَ مَا اسْتِفْهَام … أَو مَنْ: أي إنَّ (ذا) إذا وقعَتْ بعدَ (ما) أو (مَنْ) الاستفهاميَّتينِ (ماذا) (مَنْ ذا)، ولمْ تكنْ (ذا) ملغاةً؛ فهيَ مثلُ (ما) الموصولةِ، وعليهِ فإنَّ (ذا) تساوي أيضاً الَّذي والَّتي وتثنيتَهُمَا وجمعَهُمَا، نحوُ:

مَنْ ذا يأتي، ومَنْ ذا تأتي، ومَنْ ذا يأتيانِ، ومَنْ ذا تأتيانِ، ومَنْ ذا يأتونَ، ومَنْ ذا يأتينَ.

إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلَام: أي إذا غَلَبَ الاستفهامُ على (ماذا) و(مَنْ ذا) فتصيرانِ للاستفهامِ، وهذا يُعرفُ في البدلِ بعدَهُمَا، فإذا رفعْتَ الاسمَ بعدَهُمَا لمْ يُلْغَ عملُهُمَا، نحوُ: مَنْ ذا ضربْتَ أزيدٌ أمْ عمروٌ.

فهنا رُفِعَ الاسمُ بعدَهُمَا على البدلِ منهُمَا، فالاسمانِ (ما) و(مِنْ) مبتدأٌ، و(ذا) خبرُهُمَا.

أمَّا في النَّصبِ، نحوُ: مَنْ ذا ضربْتَ أزيداً أمْ عَمراً؟

فهنا ألغيتَ عملَ (ذا): لأنَّكَ أبدلْتَ مِنْ اسمِ الاستفهامِ، فيعربُ اسمُ الاستفهامِ كلُّهُ مفعولاً بِهِ مقدَّماً.

ومثالُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}.

ففي هذهِ الآيةِ قراءتانِ: العفوُ والعفوَ، فعلى قراءةِ النَّصبِ تكونُ (ذا) ملغاةً و(ماذا) اسمُ استفهامٍ في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ بِهِ مقدَّمٌ، وتقديرُ الكلامِ: ماذا ينفقونَ؟ قلْ أنفقوا العفوَ.

وعلى قراءةِ الرَّفعِ تكونُ (ذا) غيرَ ملغاةٍ، و(ما) مبتدأٌ و(ذا) خبرُهُ، والتَّقديرُ: ما الَّذي ينفقونَ؟ قلِ العفوُ.

والعفوُ هنا خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ: هوَ العفوُ.

ويتعيَّنُ الإلغاءُ أيضاً إذا أتى بعدَهُمَا اسمٌ موصولٌ، مثل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}؛ لئلَّا يجتمعَ موصولانِ في كلامٍ واحدٍ.

نستنتج

من الأسماء الموصولة (مَنْ، وما، وال).

١ –منْ: وهذا الاسم أكثر استعماله للعاقل، نحو: خير الرجال من نصحك، وخير واحد من كفاك شره. ومثاله من الشعر:

وَ لَا خَيرَ فِي مَنْ لَا يُوَ طِّنُ نَفْسَهُ … عَلَى نَا ئِبَاتِ الدَّ هْرِ حِينَ تَنُوبُ

وتكون (مَنْ) للمفرد المذكر والمفرد المؤنث، وللمثنى والجمع، من ذلك: جاء من غاب، ومن غابت، ومن غابا، ومن غابتا، ومن غابوا، ومن غِبْنَ.

وتستعمل (مَنْ) أيضاً لغير العقلاء في الحالات الآتية:

أ –إذا كانت الجملة تتكلم عن شيء له أنواع متعددة ثم تفصل عن طريق الاسم الموصول (مَنْ)، نحو: الطيور كثيرة ومختلفة، فيها من لونه أحمر، ومن لونه أصفر، ومن لونه أخضر.

ومثال ذلك: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}.

ب –إذا فعل غير العاقل أمراً لا يفعله العقلاء، فعندها نشبه غير العاقل بهؤلاء العقلاء، وننزله منازلهم في استعمال الاسم الموصول (مَنْ)، كأن تسمع العصفور يغرد بلحن حزين وواضح فتقول: لقد أطربني من يغرد على الشجرة.

ج –أن يكون الكلام بمضمونه موجهاً نحو شيء مخصص للعاقل وغيره، لكننا نراعي قيمة العاقل ونغلبه على غيره، نحو: هذه السماوات والأرض مَنْ فيها ينكر قدرة الخالق العزيز.

ملحوظة: الاسم الموصول (مَنْ) من الأسماء المفردة المذكرة لفظاً، لكن معناها قد يختلف، وعليه فإنه يجوز أن يعود عليها الضمير مفرداً مذكراً مراعين في ذلك لفظه، ويجوز مراعاة المعنى.

فمن مراعاة اللفظ : {وَمِنْهُمْ منْ يُؤْمنُ به وَمِنْهُم مَنْ لا يُؤْمِنُ به}.

ومن مراعاة المعنى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك}.

٢ –ما: وتستعمل غالباً لغير العاقل، وتكون للمفرد المذكر والمفرد المؤنث، وللمثنى والجمع، نحو: أعجبني ما قاله زيد، وما قالته هند.

أما مواضع مجيئها للعاقل فهي:

أ –أن يختلط العاقل مع غيره، نحو: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

ب –أن يكون في الجملة أمران مقترنان معاً، وهما ذات العاقل وبعض من صفاته، مثل: كَرِّمْ ما تريد من الطلاب. فكأنك تقول: كرم من الطلاب من كان موصوفاً بكذا وكذا.

ج –تكون لمن أبهم أمره علينا، مثال: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً}.

أمور تصلح لها من وما

١ –اسم موصول، كقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}، مثال (من) بيت شعري:

إِ نَّ شَرَّ النَّا سِ مَنْ يَبَّسَمُ لِي … حِينَ أَلْقَا هُ وَإِنْ غِبْتَ شَتَمْ

٢ –اسم استفهام، نحو: ما معك من العلم؟ ومن رأيت؟

٣ –اسم شرط، نحو : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}، ونحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}.

٤ –نكرة موصوفة، نحو: رب مَنْ وعظته قد هداه الله. ومنه ما قاله الشاعر:

الصِّدْ قُ أَرْ فَعُ مَا ا عْتَزَّ الرِّ جَالُ بِهِ … وَ خَيرُ ماَ عَوَّ دَ ابْناً فِي الْحَيَاةِ أبُ

٥ –نكرة تامة غير موصوفة، نحو: رب من لقينا اليوم، ورب ما غرد صباحاً، والمعنى: رب إنسان لقينا، ورب عصفور غرد.

وتختص (ما) وحدها لمعان هي: التعجب، والنفي، وأن تكون كافة، وأن تكون زائدة، ومصدرية ظرفية، ومصدرية غير ظرفية، ومهيئة أي تتصل بآخر كلمة غير شرطية، ومغيرة وهي التي تلحق آخر أداة شرطية، وأن تقع صفة.

٣ –ال: وهي للعاقل ولغير العاقل، نحو: نجح الطالب، والطالبة، والطالبان، والطالبتان، والطلاب، والطالبات، ولا يتكون (ال) موصولة إلا إذا دخلت على صفة صريحة، وعليه فإن الصفة مع مرفوعها تعد من شبه الجملة الواقعة صلة، نحو: إن الذكي الصالح يؤمن بالله حتى يدخل الجنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى