شرح ألفية ابن مالك

جمع الذي والألى والذين مطلقا

سنتابع في هذه المقالة شرح أبيات ألفية ابن مالك في النحو، وقد وصلنا إلى الأسماء الموصولة وهي: (الذي)، والتي)، وفي هذه الأبيات سوف يتحدث ابن مالك عن جمع هذين الاسمين الموصولين أي (الذي) والتي)، كما سيتحدث في البيتين الشعرين اللذين سوف نشرحهما عن بعض لغات العرب في الذين، وعن إعراب هذين الاسمين الموصولين، تابع معنا القراءة حتى تعرف شرح الأبيات والقواعد النحوي المستخرجة منهما.

جمعُ الاسمينِ الموصولينِ الَّذي والَّتي

قالَ ابنُ مالكٍ:

٩١ –جَمْعُ الَّذِ ي الْأُ لَى الَّذِ يْنَ مُطْلَقَا … وَ بَعْضُهُمْ بِالْوَ اوِ رَ فْعاً نَطَقَا

٩٢ –بِاللَّا تِ وَ اللَّا ءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا … وَ اللَّاءِ كالَّذِ يْنَ نَزْراً وَ قَعَا

شرحُ مفرداتِ الأبياتِ

جَمْعُ الَّذِ ي الْأُ لَى الَّذِ يْنَ مُطْلَقَا … وَ بَعْضُهُمْ بِا لْوَاوِ رَفْعاً نَطَقَا

جَمْعُ الَّذِي الْأُلَى الَّذِيْنَ مُطْلَقَا: أي إنَّ (الَّذي) لَهُ جمعانِ: الأُلى والَّذينَ.

وقدْ يُستعملُ (الأُلى) في جمعِ المؤنَّثِ، واجتمعَ الاستعمالانِ في قولِ أبي ذؤيبٍ خويلدِ بنِ خالدٍ الهذليِّ:

وَ تُبْلِي الأُ لَى يَسْتَلْئمونَ عَلَى الأُ لَى … تَرَا هُنَّ يَو مَ الرَّو عِ كَا لحِدَأِ القُبْلِ

فـ (الأُلى) الأوَّلُ استعملَهُ في جمعِ المذكَّرِ، بدليلِ ضميرِ جماعةِ الذُّكورِ في (يَستلئمُونَ)، واستعملَهُ في الثَّاني في جمعِ المؤنَّثِ بدليلِ ضميرِ جماعةِ الإناثِ في (تَراهُنَّ).

مُطْلَقَا: أي رفعاً ونصباً وجرّاً؛ لأنَّهُ مبنيٌّ فلا يتغيَّرُ.

وَبَعْضُهُمْ بِالْوَاوِ رَفْعاً نَطَقَا: أي إنَّ بعضَ العربِ ومنهُمْ هُذَيلٌ وعُقَيلٌ ينطقونَ (الَّذينَ) بالواوِ في حالةِ الرَّفعِ؛ فيقولونَ: الَّذونَ، كقولِ الشَّاعرِ:

نحنُ الَّذُ ونَ صَبَّحُوا الصَّبا حا … يو مَ النَّخيلِ غا رةً مِلحَا حَا

وعلى هذهِ اللُّغةِ يكونُ (الَّذونَ) معرباً، لأنَّ آخرَهُ يتغيَّرُ باختلافِ العواملِ، وقيلَ: بلْ هوَ مبنيٌّ جِيءَ بِهِ على صورةِ المعْرَبِ، والظَّاهرُ أنَّهُ مبنيٌّ على الواوِ والياءِ.

بِاللَّا تِ وَ اللَّاءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا … وَا للَّاءِ كالَّذِ يْنَ نَزْ راً وَقَعَا

بِاللَّاتِ وَاللَّاءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا: أي إنَّ (الَّتي) لَهُ جمعانِ هُمَا: اللَّاتِ واللَّاءِ.

وهذانِ الجمعانِ فيهِمَا لغتانِ:

١ –حذفُ الياءِ كما وردَ في قولِ ابنِ مالكٍ، نقولُ: جاءَتِ اللَّاءِ يركبنَ الهوادجَ، وجاءَتِ اللَّاتِ يركبنَ الهوادجَ.

٢ –إثباتُ الياءِ، نحوُ: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}، و{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}.

وَاللَّاءِ كالَّذِيْنَ نَزْراً وَقَعَا: أي إنَّ (اللَّاءِ) قدْ تُستعملُ لجماعةِ الذُّكورِ مثلَ (الَّذينَ)، وهذا قليلٌ، ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:

فمَا آبا ؤُنَا بَأَ مَنَّ مِنهُ … علينَا اللَّا ءِ قدْ مَهَدُ وا الحُجُو رَا

أي: الَّذينَ قدْ مَهَدُوا الحجورَ.

وقيلَ: إنَّ قولَ ابنِ مالكٍ (وَاللَّاءِ كالَّذِيْنَ نَزْراً وَقَعَا) لَهُ تفسيرٌ آخرُ، وهوَ: أنَّ (اللَّاءِ) تأتي بالياءِ والنُّونِ، كمَا أتَتِ الَّذينَ؛ فتُستعملُ للمذكَّرِ بالياءِ والنُّونِ، فنقولُ: اللَّائينَ، ومنهُ قولُ الشَّاعرِ:

وإ نَّا مِنَ اللَّا ئينَ إنْ قدَرُ وا عَفَوا … وإنْ أتْرَ بُوا جادُ وا وإنْ تَرِ بُوا عَفُّوا

أي: مِنَ الَّذينَ.

وفي لغةِ هُذيلٍ، يقولونَ: اللَّاؤونَ في الرَّفعِ، واللَّائينَ في الجرِّ والنَّصبِ، قَالَ الشَّاعرُ:

هُمُ اللَّا ؤونَ فَكُّوا الغُلَّ عَنِّي … بمَرْ وِ الشَّا هِجانِ و هُمْ جنا حِي

القاعدةُ المستنبطةُ

الأسماء الموصولة (الذي، والتي) وجمعهما ولغات العرب فيهما وإعرابهما.

الاسم الموصول في اللغة العربية قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنى، وقد يكون جمعاً، وكل لفظ يختلف عن الآخر، كما أن كل لفظ من هذه الأسماء الموصولة قد تكون للمذكر وقد تكون للمؤنث،

الذي والتي هما اسمان موصولان، لكنهما للمفرد، ويمكن أن يجمعا، فالاسم الذي له جمعان:

الأول: يجمع الذي على (الألى)، وهو مع ذلك اسم جمع، لكنه يجوز أن نسميه جمعاً.

والألى للمذكر لكنه قد يأتي للمؤنث على قلة، وقد اجتمع للمذكر والمؤنث في قول الشاعر الذي ذكرناه في شرح البيت أعلاه.

وقد يجمع الألى على الألاء، ومنه قول كثير عزة:

أبى الله للشم الأ لاء كأ نهم … سيو ف أجاد أ لقين يو ما صقا لها

موضع الشاهد: في كلمة (الألاء).

وجه الاستشهاد: استعمل الشاعر الاسم الموصول (الألاء) بدل (الذين)، والدليل ضمير جمع المذكر الواقع في قوله (كأنهم) والعائد إليه.

الثاني: يجمع الذي على (الذين) مطلقاً، أي في حالات الرفع والنصب والجر، والسبب في ذلك أنه مبني لا يتغير.

تنبيه: الاسم الموصول (الذين) فيه أربع لغات مشهورة منها لغة هذيل. وتحذف نون الذين لطول الاسم بالصلة، ومنه قول الشاعر:

وإن الذ ي حا نت بفلج دماؤ هم … هم القو م كل القو م يا أم خالد

موضع الشاهد: الذي.

وجه الاستشهاد: حذف الشاعر النون من الذين مع أن أصله: وإن الذين. وسبب الحذف التخفيف.

-لغة هذيل: هي الذون.

واللغة الرابعة: أن تحذف الألف واللام، فتصير: لذين، قال أبو عمرو: سمعت أعرابياً يقرأ: {صراط لَذين} وهذا بتخفيف اللام، فأصل الذين: ا ل ل ذ ي ن، وبتخفيف الألف واللام تصير: لذين.

تنبيه ثانٍ: الاسمان الموصولان اللذان واللتان، فيهما ثلاث لغات.

اللغة الأولى: إبقاء النون على حالها مثل نون المثنى المتحركة بالكسر، وهذه لغة فصحى.

اللغة الثانية: تشديد النون مع الكسر.

اللغة الثالثة: حذف النون من هذين الاسمين.

إذاً، الأسماء الموصول (الذي) تستعمل للمفرد المذكر، (التي) للمفرد المؤنث، (اللذان واللتان للمثنى المذكر والمؤنث على التوالي في حالة الرفع، (اللَّذَين واللتين) للمثنى المذكر والمؤنث توالياً في حالتي النصب والجر.

وكان الأصل في (اللَّذَين واللتَين) أن يكونا (اللذيان واللتيان) إلا أن (الذي والتي) لأنهما مبنيان فلم يمكننا أن نحركهما، مما جعلهما لا يفتحا قبل علامة التثنية، إنما بقيا ساكنين، فعندها التقى ساكنان، فحذفنا الأول منهما، ولهذا الأمر شدد بعضهم النون في (اللذينّ واللتينّ) تعويضاً عن الحذف.

-نستعمل (الذين) لجمع العاقل، والاسم (الألى) بمعنى (الذين)، نحو: جاء الألى نجحوا، كمثل قولك: جاء الذين نجحوا.

وكما ذكرنا فإن (الألى) اسم جمع؛ لأنه ليس له واحد من لفظه، ومثله (الذين)؛ لأنه مختص بالعاقل، و(الذي) اسم عام له ولغيره. لأنه (الذين) لو كان جمعاً لـ (الذي) لساواه في دلالته على العموم؛ لأن دلالة الجمع مثل دلالة التكرار بالعطف.

إذاً، (الذين) و(الألى) هما من أسماء الجمع، وإطلاقنا لكلمة الجمع عليهما إنما هو اصطلاح لغوي، لا حرج على المشتغل بالنحو استعماله.

-من العرب من يجعل (الذين) تجري مجرى جمع المذكر السالم؛ فيجعله مرفوعاً بالواو، ومنصوباً ومجروراً بالياء. وهم قبيلة هذيل.

-من الأسماء الموصولة أيضاً (اللائي واللاتي)، وهما لجمع المؤنث السالم العاقل وغير العاقل، وقد تحذف ياؤهما فتصيران (اللاء، واللات)، ومنه قوله تعالى: {واللاء يئسن من المحيض من نسائكم}، [سورة الطلاق].

-قد تأتي (اللاء) بمعنى (الذين)، ومنه قول الشاعر:

فما آباؤنا بأمن منه … علينا اللاء قد مهدوا الحجورا

أيضاً قد تأتي (الألى) بمعنى (اللاء) ومنه قول الشاعر:

فأ ما الأ لى يسكن غو ر تها مةٍ … فكل فتا ةٍ تترك الحجل أ قصما

وقد جمع شاعر آخر بين اللغتين فقال:

فتلك خطو ب قد تملت شبا بنا … قد يماً فتبلينا المنو ن وما نبلي

وتبلي الأ لى يستلئمو ن على الأ لى … تر اهن يوم الر وع كا لحدا القبل

إذاً، بهذا نكون قد أنهينا شرح البيتين الحادي والتسعين والثاني والتسعين من ألفية ابن مالك في النحو، واللذان تحدث فيهما عن كيفية جمع الأسماء الموصول (الذي) و(التي)، وبينا في هذا الشرح الوافي كل القواعد المستنبطة من هذين البيتين، وضربنا لكم أمثلة وشواهد من القرآن الكريم ومن الشعر العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى