شرح معلقة امرئ القيس

شرح مهفهفة بيضاء غير مفاضة والبيتين بعدها

مُهَفْهَفَةٌ بَيضَاءُ غَيرُ مُفَاضَةٍ … تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ

معاني المفرداتِ:

مُهَفْهَفَةٌ: لطيفةُ الخصرِ ضامرةُ البطنِ.

مُفَاضَةٍ: المُفاضةُ هيَ المرأةُ العظيمةُ البطنِ المسترخيةُ اللَّحمِ.

تَرَائِبُهَا: التَّرائبُ جمعُ التَّريبةِ: وهيَ موضعُ القلادةِ مِنَ الصَّدرِ.

مَصْقُولَةٌ: مَجْلُوَّةٌ متلألئةٌ.

كَالسَّجَنْجَلِ: كالمرآةِ، وهيَ لغةٌ روميَّةٌ معرَّبةٌ.

ويُروى مصقولةٌ بالسَّجنجلِ، ومعناهُ: بماءِ الذَّهبِ والفضَّةِ، وقيلَ: هوَ ماءُ الزَّعفرانِ.

معنى البيتِ:

إنَّهَا دقيقةُ الخصرِ، ليسَتْ عظيمةَ البطنِ بلْ بطنُهَا ضامرةٌ، وصدرُهَا برَّاقُ اللَّونِ متلألئٌ كالمِرآةِ، أو كأنَّهُ ماءُ الذَّهبِ والفضَّةِ.

كَبِكْرِ الْمُقَانَاةِ الْبَيَاضِ بِصُفْرَةٍ … غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيرَ مُحَلَّلِ

معاني المفرداتِ:

كَبِكْرِ: البِكرُ مِنْ كلِّ صنفٍ: أوَّلُ كلِّ شيءٍ.

ذكرَ بعضُ أهلِ اللُّغةِ أنَّ البكرَ هاهنا اللُّؤلؤةُ، وجعلَهَا بكراً؛ لأنَّهَا أوَّلُ شيءٍ يَخرجُ مِنَ الصَّدفِ، وإنَّ اللُّؤلؤةَ الكبيرةَ النَّفيسةَ تكونُ في طرفِ الصَّدفةِ، فأوَّلُ ما تَشُقُّ تَخرجُ، فلذلِكَ سمِّيَتْ بِكراً.

الْمُقَانَاةِ: الخلطُ، يُقالُ: قانيتُ بينَ الشَّيئينِ؛ إذا خلطْتُ أحدَهُمَا بالآخرِ.

 والقصدُ الممتزجةُ البياضِ بصفرةٍ، وهوَ أحسنُ ألوانِ النِّساءَ عندَ العربِ.

-وقيلَ: المقاناةُ الموضعُ الظَّليلُ لا تطلعُ الشَّمسُ عليهِ.

-وقيلَ: بكرُ المقاناةِ: أوَّلُ بيضةٍ تبيضُهَا النَّعامةُ، وكلُّ لونِ صفرةٍ في بياضٍ فهوَ مقاناةٌ، فقدْ شبَّهَ لونَ المحبوبةِ بلونِ بيضِ النَّعامِ في أنَّ لكلٍّ منْهَا بياضاً خالطَتْهُ صفرةٌ.

-وقيلَ: المعنى كبكرِ الصَّدفةِ الَّتي خالطَ بياضَهَا صفرةٌ، وأرادَ ببكرِهَا دُرَّتَهَا الَّتي لمْ يُرَ مثلُهَا.

-وقيلَ: أرادَ كبكرِ البَرديِّ، وهوَ نباتٌ كالقصبِ، كانَ القدماءُ المصريُّونَ يستخدمونَ قِشرَهُ للكتابةِ.

نَمِيرُ الْمَاءِ: النَّميرُ هوَ الماءُ النَّامي في الجسدِ، والقصدُ: طَيِّبُ الماءِ.

أرادَ: إنَّهَا عذراءُ بيضاءُ مصفرَّةٌ لا تراهَا الشَّمسُ، يُقدَّمُ لَهَا الماءُ الطَّيِّبُ العذبُ.

وقيلَ: غذاهَا نميرُ الماءِ، النَّميرُ هُنَا: العذبُ المشروبُ، فإنَّهُ لَمْ يُرِدْ أنَّهَا في العذبِ المشروبِ، وإنَّمَا أرادَ أنَّ ماءَ البحرِ الَّذي هيَ فيهِ؛ لأنَّهَا كالصَّدفةِ في البحرِ، هذا الماءُ غذاءٌ لَهَا، كغذاءِ الماءِ العذبِ لَنَا، والنَّميرُ: العذبُ، فماءُ البحرِ نميرُهَا.

غَيرَ مُحَلَّلِ: أي لا يحلُّهُ يعني لا يصيبُهُ أحدٌ مستوطناً مقيماً، أو لمْ يكثرْ حلولُ النَّاسِ عليهِ، فيُكَدِّرُهُ ذلِكَ.

ويُروى: غَيرَ مُحَلِّلِ: بكسرِ اللَّامِ، وفُسِّرَ بقليلٍ ينقطعُ سريعاً.

معنى البيتِ:

في معنى البيتِ ثلاثةُ أقوالٍ:

١ -إنَّ لونَ المحبوبةِ كلونِ بيضِ النَّعامِ بياضٌ خالطْتُهُ صفرةٌ يسيرةٌ، وهيَ حسنةُ الغذاءِ؛ إذْ غَذَاهَا ماءٌ طيِّبٌ عذبٌ لمْ يُعَكَّرْ بكثرةِ حلولِ النَّاسِ عليهِ.

٢ -إنَّ المحبوبةَ بيضاءُ تشوبُهَا صفرةٌ كدرَّةِ الصَّدفةِ الَّتي لمْ يُرَ مثلُهَا، وقدْ غَذاهَا ماءٌ صافٍ، وهيَ ليسَتْ في متناولِ مَنْ أرادَهَا؛ لأنَّهَا في قعرِ البحرِ لا تصلِ إليهَا الأيدي.

٣ -إنَّ لونَ المحبوبةِ مثلُ لونِ نباتِ البَرديِّ شابَ بياضَهُ صفرةٌ، وقدْ غذا المحبوبةَ ماءٌ عذبٌ مثلُ هذا النَّباتِ، ولمْ يكثرْ حلولُ النَّاسِ عليهِ، وهوَ شرطٌ ليَسْلَمَ الماءُ عنِ الكدرِ، وإذا كانَ كذلِكَ لمْ يُغَيِّرَ لونَ البَرديِّ.

تَصُدُّ وَتُبْدِي عَنْ أَسِيلٍ وَتَتَّقِي … بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ

معاني المفرداتِ:

تَصُدُّ: تُعْرِضُ.

تُبْدِي: تُظْهِرُ.

أَسِيلٍ: خَدٌّ أسيلٌ: سَهْلٌ لَيِّنٌ أو سَهْلٌ طويلٌ.

والأسالةُ في الْخَدِّ: الاستطالةُ وألَّا يكونَ مرتفعَ الوَجْنَةِ.

وفي صِفَتِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ «كَانَ أَسِيلَ الْخَدَّينِ أَو أَسِيلَ الْجَبِينِ».

قالَ أبو زيدٍ: مِنَ الخُدُودُ الأسيلُ، وهوَ السَّهْلُ اللَّيِّنُ الدَّقِيقُ الْمُسْتَوي، وَالْمَسْنُونُ اللَّطِيفُ، الدَّقِيقُ الْأَنْفِ.

-ويُروى (تصُدُّ وتُبدي عنْ شنيبٍ)؛ أي ثغرٍ شنيبٍ، والشَّنيبُ والأشنبُ حِدَّةُ الأسنانِ.

-ويُروى (تصُدُّ وتُبدي عنْ شَتيتٍ)؛ أي عنْ ثغرٍ شتيتٍ، والشَّتيتُ: المتفرِّقُ.

تَتَّقِي: الاتِّقاءُ: الحجزُ بينَ الشَّيئينِ، وقالَ بعضُهُمْ: معنى قولِهِ تتَّقي، تتَّقي بعينِهَا مَنْ تخافُهُ مِنْ أوليائِهَا.

بِنَاظِرَةٍ: بعينٍ ناظرةٍ.

وَحْشِ: جمعُ وحشيٍّ، وهوَ ها هنَا البقرُ الوحشيُّ والظِّباءُ.

وَجْرَةَ: اسمُ موضعٍ، وأرادَ بوحشِ وجرةَ؛ ظباءَهَا.

مُطْفِلِ: هيَ الَّتي لَهَا طفلٌ ترضعُهُ، أرادَ الغزالَ. والمُطْفِلُ أحسنُ نظراً مِنْ غيرِهَا؛ لحُسْنِ نظرِهَا إلى طفلِهَا مِنَ الرِّقَّةِ والشَّفقةِ.

قالَ الفرَّاءُ: لمْ يقلُ مُطفلةً؛ لأنَّ هذا لا يكونُ إلا للنِّساءِ؛ فصارَ عندَهُ مثلُ حائضٍ.

معنى البيتِ:

إنَّ محبوبتي تُعْرِضُ عنِّي وقدْ أظهرَتْ لي خدّاً سهلاً ناعماً طويلاً، وتستقبلُنِي بعدَ هذا الإعراضِ بعيونٍ مثلِ عيونِ ظباءِ أو مها منطقةِ وجرةَ الَّتي لَهَا أطفالٌ ينظرْنَ إليهِمْ بعطفٍ وشفقةٍ.

زر الذهاب إلى الأعلى