شرح معلقة امرئ القيس

شرح ألا رب يوم لك منهن صالح

يتذكر امرؤ القيس يوماً كان من الأيام الجميلة عنده حيث حظي بوصال الفتيات وغنين له ونال ما نال من محبوبته عنيزة، يقول فيه:

أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ … وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

الشرح

ألا: افتتاح للكلام.

رُبَّ: في ربّ لغات: وهي رُبَّ ورَبَّ ورُبْ ورُبَ ثم تلحق التاء فتقول ربّة وربّت، وربّ موضوع في كلام العرب للتقليل وكم موضوع للتكثير، ثم ربما حملت رُبّ على كم في المعنى فيراد بها التكثير، وربما حملت كم على رب في المعنى فيراد بها التقليل، ويروى: ألا رب يوم كان منهن صالح.

معناه التعجب من فضل هذا اليوم، أي هو يوم يفضل الأيام.

والسيّ: المثل: يقال هما سيان أي مثلان. ويجوز في يوم الرفع والجر، فمن رفع جعل ما موصولة بمعنى الذي، والتقدير: ولا سي اليوم الذي هو بدارة جلجل، ومن خفض جعل ما زائدة، وخفضه بإضافة سيّ إليه فكأنه قال: ولا سي يوم أي ولا مثل يوم.

فأفادتْ لا سيَّما التَّفضيلَ والتَّخصيصَ.

دارةُ جلجلِ: هو اسم لغدير ماء معين، يقع عند غمر ذي كندة، أي عند ديار كندة، وقال الأصمعي وأبو عبيدة: دارة جلجل في الحمى، والحمى: مَوْضِعٌ فِيهِ كَلأٌ أي عشب يُحْمَى من الناسِ أنْ يُرْعى.

وقال نصرٌ: موضع بنَجْدٍ فِي دَار الضِّباب، ممّا يُواجِهُ دِيارَ فَزارَةَ.

ما هو يوم دارة جلجل؟

ويوم دارة جلجل له قصة تتمثل بما يلي:

يُذكَرُ أن امرأ القيس كان يحب ابنة عمه، وتدعى عنيزة بنت شرحبيل، فلم يتمكن يوماً من لقائها، وعندما كان يوم الغدير واسمه أيضاً يوم دارة جلجل، وارتحل معه أهل الحي، فتقدم الرجال وتركوا خلفهم النساء والصبيان ليسيروا على مهلم.

فرأى ذلك امرؤ القيس فتخلف بدوره عن قومه، وكمن في مكان متخفياً حتى مرت به النساء، فرأى فتيات كانت من بينهن محبوبته عنيزة، فلما رأت هذه الفتيات الغدير قلن: لو نزلنا في هذا الغدير واغتسلنا ليذهب عنا بعض الكلال، فقالت إحداهن: افعلن، فعدلن إلى الغدير، فنزلن ودخلن الغدير.

عندها جاءهن امرؤ القيس مخاتلاً وغافلهن فأخذ ثيابهن وهن في الغدير، ثم جمعها وقعد عليها، وقال لهن: والله لا أعطي واحدة منكن ثوبها حتى تخرج متجردة فتأخذه، فرفضت الفتيات ذلك حتى اقترب المساء، فخشيت الفتيات أن يقصرن دون المنزل الذي يردنه، فخرجت إحداهن فأعطاها ثيابها، ثم تتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة، فناشدته الله أن يضع لها ثوبها.

فقال: والله لا تَمَسِّينَ الثوب حتى تخرجي عريانة كما خرجن، فخرجت ونظر إليها مقبلة ومدبرة فوضع لها ثوبها، فأخذته ولبسته.

فاجتمعت الفتيات إليه، وقلن له: غَدِّنا حبستنا وجوعتنا، فنحر لهن ناقته، وجمع الخدم حطباً كثيراً، فأجج ناراً عظيمة، فجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها وأطايبها، فيرميه على الجمر، وهن يأكلن منه، ويشربن من بعض الماس الذي كان معه، ويغنيهن حتى شبعن وطربن، فلما ارتحلوا حملت كل واحدة شيئاً من متاعه، وبقيت عنيزة لم يُحَمِّلْها شيئاً.

فقال لها: يا ابنة الكرام ليس لك بُدٌّ من أن تحمليني معك، فإني لا أطيق المشي، ولم أتعوده، فحملته على بعيرها، فكان يميل إليها ويدخل رأسه في خدرها ويقبلها، فإذا مال الهودج، قالت: يا امرأ القيس قد عقرت بعيري حتى إذا كان قريباً من الحي نزل، فأقام حتى إذا أجنه الليل أتى أهله، والأبيات الآتية تمثل لك هذا الفجور، وهذا الفسوق.

معنى البيت

ربَّ يومٍ سررْتُ فيهِ، وفزتُ بوصالِ النِّساءِ، وظَفِرْتُ بعيشٍ صالحٍ ناعمٍ منهنَّ، لكنَّ يومَ دارةِ جلجلِ كانَ أحسنَ تلكَ الأيَّامِ وأتمَّها.

زر الذهاب إلى الأعلى