شرح معلقة امرئ القيس

شرح ويوم عقرت للعذارى مطيتي

يروي لنا امرؤ القيس في البيت الحادي عشر من معلقته ماذا حدث في يوم دارة جلجل، وكيف نحر ناقته للفتيات حتى يطعمهن ثن يتعجب كيف ساعدوه في حمل متاعه، فيقول:

وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي … فَيَا عَجَباً مِنْ كُورِهَا المُتَحَمَّلِ

المعاني

عقرْتُ: ذبحْتُ ونحرْتُ كَمَا تبيَّنَ لَكَ في البيتِ السَّابقِ، وأصلُ العَقْرِ أنْ يَعْمِدَ أحدُهُمْ إلى قوائمِ النَّاقةِ، فيضربَهَا بسيفِهِ حتَّى لا تقوى على مقاومةِ الذَّابحِ لَهَا.

العذارى: جمعُ العذراءِ مِنَ النِّساءِ، وهيَ الفتاةُ البكرُ الَّتي لمْ تُفْتَضَّ.

مَطِيَّتِي: المَطِيَّةُ: النَّاقةُ أوِ البعيرُ، سمِّيَتْ مطيَّةً؛ لأنَّهَا يُرتكبُ مَطَاهَا، أي ظَهْرَهَا، وقيلَ: سمِّيَتْ مطيَّةً؛ لأنَّهَا يُمطى بِهَا في السَّيرِ، أي يُمَدُّ بِهَا.

يا عجباً: العَجَبُ: هوَ انفعالٌ نفسانيٌّ يعتري الإنسانَ عندَ استعظامِهِ، أوِ استطرافِهِ، أو إنكارِهِ ما يَرِدُ عليهِ ويشاهدُهُ.

الألفُ في (عجباً) بدلٌ مِنْ ياءِ الإضافةِ، وكانَ الأصلُ فيا عجبي، وياءُ الإضافةِ يجوزُ قلبُهَا ألفاً في النِّداءِ نحوُ: يا غلاماً، في: يا غلامِي.

فإنْ قيلَ: كيفَ نادى العجبَ وليسَ ممَّا يَعْقِلُ؟

قيلَ في جوابِهِ: إنَّ المنادى محذوفٌ، والتَّقديرُ: يا هؤلاءِ، أو يا قومُ اشهدُوا عجبِي مِنْ كُورِهَا المُتَحَمَّلِ فتعجَّبُوا مِنْهُ، فإنَّهُ قدْ جاوزَ المدى والغايةَ القصوى.

وقيلَ: بلْ نادى العَجَبَ اتِّساعاً ومجازاً، فكأنَّهُ قالَ: يا عجبِي تعالَ واحضرْ؛ أو إنَّ إتيانَكَ وحضورَكَ….

فالجوابُ في هذا أنَّ العربَ إذا أرادَتْ أنْ تُعَظِّمَ أمرَ الخبرِ جعلَتْهُ نداءً، قالَ سيبويهِ: إذا قلْتَ يا عجباً كأنَّكَ قلْتَ تعالَ يا عجبُ فإنَّ هذا مِنْ إبَّانِكَ؛ فهذا أبلغُ مِنْ قولِكَ تعجَّبْتُ، ونظيرُ هذا قولُهُمْ (لا أَرَيَنَّكَ هاهُنا)؛ لأنَّهُ قدْ عُلِمَ أنَّهُ لا ينهى نفسَهُ، والتَّقديرُ: لا تَكُنْ هاهنا فإنَّهُ مَنْ يكنُ هاهُنا أرَهْ، وقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} فقدْ عُلِمَ أنَّهُ لا ينهاهُمْ عنِ الموتِ، والتَّقديرُ واللَّهُ أعلمُ: اثبتُوا على الإسلامِ حتَّى يأتيكُمُ الموتُ، وكذلِكَ قولُهُ (يا عجباً) قدْ عُلِمَ أنَّهُ لا يُنادي العجبَ، فالمعنى انتبهُوا للعجبِ.

الكُوْرُ: بالضَّمِّ: الرَّحْلُ، أي رَحْلُ البعيرِ، أو هوَ الرَّحلُ بأداتِهِ، كالسَّرْجِ وآلتِهِ للفرسِ، والجمعُ أكوارٌ وأَكْوُرٌ، والكثيرُ كِيرانٌ وكُورانٌ وكُؤورٌ. ويُروى: مِنْ رحلِهَا، والرَّحلُ: ما يُوضعُ على ظهرِ البعيرِ.

المُتَحَمَّلِ: اسمُ مفعولٍ بمعنى المحمولِ.

وقولُهُ (فيا عجباً لرحلِهَا الـمُتَحَمَّلِ) أيِ العَجَبُ لَهُنَّ ومِنْهُنَّ! كيفَ أطقنَ حملَ الرَّحلِ في هوادجِهِنَّ؟ وكيفَ رَحَلْنَ بِهِ إبلَهُنَّ على تنعُّمِهُنَّ ورفاهةِ عيشِهِنَّ؟

معنى البيت

أذكرُ يومَ دارةِ جلجلٍ عندَمَا نحرْتُ فيهِ ناقتي للفتياتِ الأبكارِ، وإنِّي لأعجبُ لهُنَّ ومِنْهُنَّ! كيفَ حملْنَ في هوادجِهِنَّ رحلَ ناقتي وأداتِي بعدَ ذبحِهَا، وكيفَ اقتسمْنَ متاعِي بعدَ ذلِكَ ورحلْنَ بِهِ على تنعُّمهنَّ ورفاهةِ عيشِهِنَّ؟

زر الذهاب إلى الأعلى