إعراب الجزء الثلاثين

إعراب سورة قريش

بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ۝ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ۝ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۝ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ۝

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ

لِإِيلَافِ: اللَّامُ حرفُ جرٍّ، إيلافِ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ اللَّامِ، وعلامةُ جرَّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، وهوَ مضافٌ، أمَّا تعليقٌ الجارِّ والمجرورِ ففيهِ وجوهٌ:

١ –متعلِّقانِ بالفعلِ في (فليعبدُوا)؛ أي فليعبدُوا اللَّهَ تعالى مِنْ أجلِ إيلافِهِمْ، أو: لِأَنْ آلفَ اللَّهُ قريشاً إيلافاً فليعبدُوا ربَّ هذا البيتِ.

قالَ الخليلُ والبصريُّونَ: اللَّامُ لامُ الإضافةِ متَّصلةُ بـ (فليعبدُوا).

قالَ المنتجبُ الهمذانيُّ: فالفاءُ صلةٌ كالَّتي في قولِكَ: زيداً فاضربْ. أَمَرَهُمْ جلَّ ذكرُهُ أنْ يعبدُوهُ لأجلِ إيلافِهِمُ الرِّحلتينِ، أي: ليعبدُوهُ لهذهِ النِّعمةِ الَّتي أنعمَ بِهَا عليهِمْ.

ولا تمنعُ الفاءُ مِنْ ذلِكَ، فقدْ دخلَتِ الفاءُ لِمَا في الكلامِ مِنْ معنى الشَّرطِ، أي: فإنْ لَمْ يعبدُوهُ لسائرِ نِعَمِهِ فليعبدُوهُ لإيلافِهِمْ؛ فإنَّهُ أظهرُ نعمةٍ عليهِمْ.

وهذا مذهبُ الخليلِ، ثُمَّ الزَّمخشريُّ، وذكرَهُ أبو البركاتِ الأنباريُّ.

٢ –متعلِّقانِ بفعلٍ مضمرٍ، والتَّقديرُ: أَعَجِبُوا لإيلافِ قريشٍ وتمكينِهِمْ مِنْ رحلتَي الشِّتاءِ والصَّيفِ، معَ تركِهِمْ عبادةَ ربِّ هذا البيتِ؟ وعلى هذا فاللَّامُ لامُ التَّعجُّبِ، وذكرَ أبو حيَّانٍ أنَّ هذا مذهبُ الأخفشِ والكِسائيِّ والفرَّاءِ، وذكرَهُ أبو البركاتِ الأنباريُّ.

٣ –متعلِّقانِ بالفعلِ (جعلَ) في سورةِ الفيلِ السَّابقةِ عليهَا، أي: (فجعلَهُمْ كعصفٍ مأكولٍ لإيلافِ قريشٍ)، وذكرَ أبو حيَّانٍ هذا القولَ للأخفشِ، وذكرَهُ أبو البركاتِ الأنباريُّ.

والمعنى في ضوءِ هذا التَّعليقِ: أنَّ اللَّهَ سبحانَهُ وتعالى أهلكَ الحبشةَ الَّذينَ قصدُوهُمْ ليتسامعَ النَّاسُ بذلِكَ، فيتهيَّبُوهُمْ زيادةَ تهيُّبٍ، ويحترمُوهُمْ فضلَ احترامٍ؛ حتَّى ينتظمَ الأمنُ في رحلتيهِمْ، فلا يَجترِئَ أحدٌ عليهِمْ.

قُرَيْشٍ: مضافٌ إليهِ مجرورٌ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

-وفيهِ قراءةٌ أُخرى وهيَ: لِتَأْلَفَ قُرَيشٌ، وهيَ قراءةُ عكرمةَ، ويكونُ الإعرابِ:

لِتَأْلَفَ: اللَّامُ للتَّعليلِ، تألفَ: فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بأنْ المضمرةِ بعدَ لامِ التَّعليلِ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

قريشُ: فاعلٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

-وفيهِ قراءةٌ أُخرى وهيَ: لِتَأْلَفْ قريشٌ، وهيَ روايةٌ عنْ عكرمةَ، ويكونُ الإعرابُ:

لتألفْ: اللَّامُ لامُ الأمرِ، تألفْ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلامِ الأمرِ، وعلامةُ جزمِهِ السُّكونُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

ويجوزُ أنْ يكونَ نَوى بالسُّكونِ الوقفَ.

إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ

إِيلَافِهِمْ: بدلٌ مِنْ إيلافِ الأولى، مجرورٌ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، وهوَ مضافٌ، وهُمْ: ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ جرٍّ بالإضافةِ.

وقِيلَ: أَطلقَ الإيلافَ ثُمَّ أبدلَ عنْهُ المقيَّدَ بالرِّحلتينِ تفخيماً لأمرِ الإيلافِ وتذكيراً بعِظَمِ النِّعمةِ فيهِ، كمَا تقولُ: عَجِبْتُ مِنْ إحسانِكِ إحسانِكَ إلى زيدٍ.

-وعندَ السَّمينِ: توكيدٌ لفظيٌّ، كمَا تقولُ: لقيامِ زيدٍ لقيامِهِ أكرمْتُهُ.

-وفيهِ قراءةُ الحسنِ وأبي حَيْوَةَ: (إيلافَهُمْ) بالنَّصبِ على المصدرِ؛ أي مفعولٌ مطلقٌ، والعاملُ فيهِ محذوفٌ؛ أي: يألَفونَ إيلافاً، قالَهُ الفرَّاءُ وحكاهُ ابنُ الأنباريِّ والنَّحَّاسُ عنِ الفرَّاءِ.

رِحْلَةَ: مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، وعاملُ النَّصبِ فيهِ المصدرُ (إيلافِ)، لأنَّهُ يعملُ عملَ الفعلِ، قالَهُ الفرَّاءُ والنَّحَّاسُ ومكيٌّ وأبو البركاتِ الأنباريُّ.

وقيلَ: منصوبٌ بمصدرٍ مقدَّرٍ، أي: ارتحالِهِمْ رحلةَ.

وقيلَ منصوبٌ على الظَّرفيَّةِ، وهذانِ الوجهانِ ذكرَهُمَا الثَّعلبيُّ بغيرِ عَزْوٍ.

وأرادَ رحلتي الشِّتاءِ والصَّيفِ، فأفردَ لأمنِ الإلباسِ، و(رحلةَ) مضافٌ.

الشِّتَاءِ: مضافٌ إليهِ مجرورٌ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

وَالصَّيْفِ: الواوُ حرفُ عطفٍ، الصَّيفِ: اسمٌ معطوفٌ على الشِّتاءِ، مجرورٌ مثلُهُ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ

فَلْيَعْبُدُوا: الفاءُ حرفٌ للاستئنافِ على الرَّأيِ القائلِ بأنَّ السُّورةَ متَّصلةٌ بِمَا قبلَهَا، أو صلةٌ زائدةٌ على الرَّأيِ القائلِ بأنَّ السُّورةَ منفصلةٌ، وهذا القولُ ذكرَهُ الجلالانِ، وردَّهُ الشِّهابُ، أو واقعةٌ في جوابِ شرطٍ مقدَّرٍ، تقديرُهُ: إنْ لمْ يعبدُوهُ لسائرِ نعمِهِ فليعبدُوهُ لهذهِ النِّعمةِ الخاصَّةِ المذكورةِ، وهذا يعني أنَّهَا الواوُ الفصيحةُ؛ أي: أفصحَتْ عنْ جوابِ شرطٍ مقدَّرٍ.

اللَّامُ: لامُ الأمرِ، حرفٌ مبنيٌّ على الكسرِ، وسُكِّنَ لأنَّهُ مسبوقٌ بالفاءِ.

يعبدُوا: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلامِ الأمرِ، وعلامةُ جزمِهِ حذفُ النُّونِ مِنْ آخرِهِ؛ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ، فاعلٌ.

(ليعبدُوا): جملةٌ فعليَّةٌ، في محلِّ جزمٍ، جوابُ شرطٍ مقدَّرٍ، أو جملةٌ استئنافيَّةٌ على الرَّأيِ القائلِ بأنَّ الفاءَ حرفٌ للاستئنافِ.

وجملةُ أسلوبِ الشَّرطِ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ، تدلُّ على التَّعليلِ.

رَبَّ: لفظُ الجلالةِ (اسمٌ منصوبٌ) أو مفعولٌ بِهِ للتَّعظيمِ، منصوبٌ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، وهوَ مضافٌ.

هَذَا: الهاءُ للتَّنبيهِ، ذا: اسمُ إشارةٍ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ جرٍّ، مضافٌ إليهِ.

الْبَيْتِ: بدلٌ مِنْ اسمِ الإشارةِ مجرورٌ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

أو هوَ صفةٌ لاسمِ الإشارةِ، أو عطفُ بيانٍ.

الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ

الَّذِي: اسمٌ موصولٌ، مبنيٌّ على السٌّكونِ، في محلِّ نصبٍ، صفةٌ لـ (ربَّ).

أو هوَ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ: هوَ الَّذي.

(الَّذي أطعمَهُمْ): جملةٌ اسميَّةٌ، في محلِّ نصبٍ، صفةٌ لـ (ربَّ).

أو في محلِّ نصبٍ، حالٌ مِنْ (ربَّ).

أو بدلٌ مِنْ (ربَّ)، فهوَ في محلِّ نصبٍ.

ويجوزُ أنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ بِهِ لفعلٍ محذوفٍ، فهوَ نصبٌ على المدحِ.

أَطْعَمَهُمْ: فعلٌ ماضٍ، مبنيٌّ على الفتحِ الظَّاهرِ على آخرِهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هوَ، وهُمْ: ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ بِهِ.

(أطعمَهُمْ): جملةٌ فعليَّةٌ، صلةُ الموصولِ الاسميِّ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

مِنْ: حرفُ جرٍّ.

جُوعٍ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مِنْ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقانَ بالفعلِ أطعمَهُمْ.

-أو متعلِّقانِ بمحذوفِ حالٍ مِنْ ضميرِ النَّصبِ، وهوَ الهاءُ في (أطعمَهُمْ)، وهوَ قولُ العكبريِّ، أي: أطعمَهُمْ جائعينَ.

-ومِنْ: للتَّعليلِ، أي مِنْ أجلِ جوعٍ، والتَّنكيرُ للتَّعظيمِ.

وقيلَ: مِنْ: بمعنى (بَعْدَ)؛ أي: أطعمَهُمْ بعدَ الجوعِ الَّذي أصابَهُمْ في سِنِيِّ القحطِ حتَّى أكلُوا العِلْهِزَ والجِيفَ.

والعلهز: طعامٌ مِنَ الدَّمِ والوَبَرِ، كانَ يُتَّخَذُ في أَيَّام المجاعةِ في الجاهليَّةِ، وذلِكَ أنْ يُخلَطَ الدَّمُ بأوبارِ الإبلِ، ثُمَّ يُشْوَى في النَّارِ.

وقيلَ: هوَ على بابِهِ؛ أي: أطعمَهُمْ مِنْ أجلِ جوعِهِمْ.

وقيلَ: مِنْ بمعنى (عنْ)، قالَ المنتجبُ الهمذانيُّ: قالَ صاحبُ الكتابِ: الفرقُ بينَ عنْ ومِنْ أنَّ (عنْ) تقتضي حصولَ جوعٍ وقدْ زالَ بالإطعامٍ، و(مِنْ) تقتضي المنعَ مِنْ لحاقِ الجوعِ. والمعنى على هذا: أطعمَهُمْ فلمْ يَلحقْهُمْ جوعٌ، وآمنَهٌمْ فلمْ يَلحقْهُمْ خوفٌ، و(مِنْ) على قولِهِ لابتداءِ الغايةِ، والمعنى: أطعمَهُمْ في بدءِ جوعِهِمْ قبلَ لحاقِهِ إيَّاهُمْ، وآمنَهُمْ في بدءِ خوفِهِمْ قبلَ اللَّحاقِ.

وقيلَ: مِنْ بدليَّةٌ.

وَآمَنَهُمْ: الواوُ حرفُ عطفٍ، آمنَهُمْ: فعلٌ ماضٍ، مبنيٌّ على الفتحِ الظَّاهرِ على آخرِهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هوَ، وهُمْ: ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السٌّكونِ، في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ بِهِ.

(آمنَهُمْ): جملةٌ فعليَّةٌ، معطوفةٌ على جملةِ (أطعمَهُمْ)، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

مِنْ: حرفُ جرٍّ.

خَوْفٍ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مِنْ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقانِ بالفعلِ آمنَهُمْ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى