إعراب الجزء الثلاثين

إعراب سورة الماعون

بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ۝ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۝ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ۝ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ۝

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ

أَرَأَيْتَ: الهمزةُ حرفُ استفهامٍ، وهيَ همزةُ تقريرٍ وتنبيهٍ في لفظِ الاستفهامِ، وليسَ استفهاماً محضاً، وقيلَ: الاستفهامُ يفيدُ التَّعجُّبَ. قالَ أبو حيَّانٍ: «وهمزةُ الاستفهامِ تدلُّ على التَّقريرِ والتَّفهيمِ…».

رأيْتَ: فعلٌ ماضٍ، مبنيٌّ على السُّكونِ؛ لاتِّصالِهِ بتاءِ الفاعلِ المتحرِّكةِ، والتَّاءُ ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على الفتحِ، في محلِّ رفعٍ، فاعلٌ.

(أَرَأَيتَ): جملةٌ فعليَّةٌ ابتدائيَّةٌ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

الَّذِي: اسمٌ موصولٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ بِهِ.

وفيهِ وجهٌ إعرابيٌّ آخرُ:

أرأيتَ: بمعنى (أخبرنِي) الَّذي يتعدَّى إلى مفعولينِ، والَّذي: اسمٌ موصولٌ مفعولٌ بِهِ أوَّلُ، والمفعولُ الثَّاني محذوفٌ، والتَّقديرُ: أرأيتَ الَّذي يُكذِّبُ بالدِّينِ بعدَ ما ظهرَ لَهُ مِنَ البراهينِ، أليسَ مستحقّاً عذابَ اللَّهِ؟ أو: أمصيبٌ هوَ أمْ مخطئٌ؟ وقدَّرَهُ الزَّمخشريُّ: (مَنْ هوَ)، ورجَّحَ أبو حيَّانٍ هذا الوجهَ.

وقالَ الشِّهابُ: والجملةُ الاستفهاميَّةُ المقدَّرةُ هنَا تحتملُ الاستئنافَ، وسَدَّهَا مَسَدُّ المفعولِ الثَّاني.

لكنَّ ابنَ الأنباريِّ لمْ يُجِزْ أنْ تكونَ الرُّؤيةُ هنا متعدِّيةً إلى مفعولينِ فقالَ: «و(يرى) الأظهرُ أنَّهُ مِنْ رؤيةِ العينِ لا مِنْ رؤيةِ القلبِ؛ لأنَّهُ إذا جُعِلَ مِنْ رؤيةِ العينِ لمْ يتعدَّ إلَّا إلى مفعولٍ واحدٍ، وليسَ في الآيةِ إلَّا مفعولٌ واحدٌ. وإذا جُعِلَ مِنْ رؤيةِ القلبِ افتقرَ إلى مفعولينِ، فيؤدِّي ذلِكَ إلى حذفِ المفعولِ الثَّاني، والمفعولُ الثَّاني لا يجوزُ حذفُهُ مِنْ هذا النَّحوِ؛ لأنَّهُ ممَّا يتعدَّى إلى مفعولينِ، ولا يجوزُ الاقتصارُ على أحدِهِمَا».

فالرُّؤيةُ عندَ أبي البركاتِ الأنباريِّ مِنَ العينِ، وهيَ عندَ أبي السُّعودِ والزَّمخشريِّ بمعنى المعرفةِ، وفي كلتَا الحالتينِ يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، والمعنى: أعرفْتَ بالَّذي يُكَذِّبُ بالجزاءِ؟

وقيلَ: إنَّهَا إخباريَّةٌ؛ أي بمعنى أخبرنِي، فينصبُ مفعولينِ أحدُهُمَا الَّذي والآخرُ محذوفٌ، قدَّرَهُ الحوفيُّ: أليسَ مستحقّاً للعذابِ، وقدَّرَهُ الزَّمخشريُّ: (مَنْ هوَ)، ورجَّحَ أبو حيَّانٍ هذا الوجهَ.

يُكَذِّبُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً، تقديرُهُ هوَ.

(يكذِّبُ): جملةٌ فعليَّةٌ، صلةُ الموصولِ الاسميِّ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

بِالدِّينِ: الباءُ حرفُ جرٍّ، الدِّينِ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ الباءِ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقانِ بالفعلِ يكذِّبُ.

فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ

فَذَلِكَ: الفاءُ فيهَا وجهانِ:

١ -واقعةٌ في جوابِ شرطٍ مقدَّرٍ، أي: إنْ لمْ تعرفْهُ، أو إنْ طلبْتَ عِلمَهُ فذلِكَ الَّذي…

وعندَهَا يكونُ إعرابُ (ذلِكَ الَّذي) فيهِ وجهانِ:

الأوَّلُ: ذلِكَ: ذا: اسمُ إشارةٍ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ مبتدأٌ، واللَّامُ للبعدِ، والكافُ للخطابِ.

الَّذِي: اسمٌ موصولٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ، خبرٌ.

الوجهُ الثَّاني: ذلِكَ: خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، تقديرُهُ هوَ، الَّذي: صفةٌ للمبتدأِ ذا.

(الَّذي يدعُّ): جملةٌ اسميَّةٌ، في محلِّ جزمٍ، جوابُ الشَّرطِ المقدَّرُ، وجملةُ أسلوبِ الشَّرطِ استئنافيَّةٌ بيانيَّةٌ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ، والتَّقديرُ: أخبرنِي وما تقولُ فيمَنْ يكذِّبُ بالجزاءِ أنِعْمَ ما يصنعُ، أو ألا يستحقُّ العذابَ؟

٢ -الفاءُ حرفُ عطفٍ يفيدُ السَّببيَّةَ، وقدْ عَطفَتْ (فذلِكَ) على (الَّذي يكذِّبُ)، فهوَ مِنْ عطفِ المفرداتِ، إمَّا عطفُ ذاتٍ على ذاتٍ، أو صفةٍ على صفةٍ. فالجملةُ عندَهَا تكونُ في محلِّ نصبٍ.

ويكونُ جوابُ (أرأيتَ) محذوفاً؛ لدلالةِ ما بعدَهُ عليهِ، كأنَّهُ قيلَ: أخبرْنِي، وما تقولُ فيمَنْ يكذِّبُ بالجزاءِ؟ وفيمَنْ يؤذِي اليتيمَ، ولا يُطعمُ المسكينَ؟ أنِعْمَ ما يصنعُ، كذا جاءَ النَّصُ عندَ السَّمينِ الحلبيِّ نقلاً مِنَ الزَّمخشريِّ.

يَدُعُّ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هوَ.

(يدعُّ): جملةٌ فعليَّةٌ، صلةُ الموصولُ الاسميِّ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

الْيَتِيمَ: مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ

وَلَا: الواوُ حرفُ عطفٍ، لا: نافيةٌ لا عملَ لَهَا.

يَحُضُّ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُهُ هوَ. والمفعولٌ محذوفٌ، أي: ولا يحضُّ غيرَهُ.

(لا يحضُّ): جملةٌ فعليَّةٌ، معطوفةٌ على جملةِ صلةِ الموصولِ (يدعُّ)، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ مثلَهَا.

عَلَى: حرفُ جرٍّ.

طَعَامِ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ على، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقانِ بالفعلِ يحضُّ، وهوَ مضافٌ.

الْمِسْكِينِ: مضافٌ إليهِ مجرورٌ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ

فَوَيْلٌ: الفاءُ استئنافيَّةٌ، أو هيَ مُفْصِحَةٌ عنْ شرطٍ مقدَّرٍ، وذكرَ السَّمينُ أنَّهَا للتَّسبُّبِ، وأخذَ هذا مِنَ الزَّمخشريِّ، والسَّببيَّةُ أَولى.

وقدْ فسَّرَهُ بقولِهِ: «والفاءُ للسَّببيَّةِ؛ أي إنَّ الدُّعاءَ عليهِمْ بالويلِ متسبَّبٌ عنْ هذهِ الصِّفاتِ الذَّميمةٍ».

ويلٌ: مبتدأٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، وجازَ الابتداءُ بالنَّكرةِ لِمَا فيهَا مِنْ معنى الدُّعاءِ، أو أنَّ (ويلٌ) معرفةٌ كونُهُ عَلماً لوادٍ في جهنَّمَ.

لِلْمُصَلِّينَ: اللَّامُ حرفُ جرٍّ، المصلِّينَ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ اللَّامِ، وعلامةُ جرِّهِ الياءُ؛ لأنَّهُ جمعُ مذكَّرٍ سالمٌ، والنُّونُ عوضٌ عنِ التَّنوينِ في الاسمِ المفردِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقانِ بخبرٍ محذوفٍ، تقديرُهُ كائنٌ أو موجودٌ أو مهيَّأٌ.

(ويلٌ للمصلِّينَ): جملةٌ اسميَّةٌ استئنافيَّةٌ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ، أو هيَ جوابُ شرطٍ غيرِ جازمٍ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ إنِ عددْنَا الفاءَ مفصحةً عنْ شرطٍ مقدَّرٍ، وتقديرُ الشَّرطِ: فإذا كانَ الأمرُ كذلِكَ فويلٌّ للمصلِّينَ، على معنى فويلٌ لَهُمْ، فوُضِعَتْ صفتُهُمْ موضعَ ضميرِهِمُ الَّذي يعودُ على ضميرِ الَّذي يكذِّبُ وهوَ مفردٌ إلَّا أنَّ معناهُ الجمعُ؛ لأنَّ المرادَ بِهِ الجنسُ.

الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ

الَّذِينَ: اسمٌ موصولٌ، مبنيٌّ على الفتحِ، فيهِ وجوهٌ إعرابيَّةٌ عدَّةٌ:

١ -في محلِّ جرٍّ، صفةٌ للمصلِّينَ.

٢ – في محلِّ جرٍّ، بدلٌ مِنَ المصلِّينَ، بدلُ كلٍّ مِنْ كلٍّ.

٣ -في محلِّ جرٍّ، عطفُ بيانٍ للمصلِّينَ.

٤ –في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ بِهِ لفعلٍ محذوفٍ، أي: أعني الَّذينَ، أو هوَ على الذَّمِّ، تقديرُهُ أذمُّ.

٥ –أو هوَ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، تقديرُهُ: هُمُ الَّذينَ.

والوجهانِ الأخيرانِ على القطعِ، قالَ بِهِمَا الأصبهانيُّ.

هُمْ: ضميرٌ منفصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ، مبتدأٌ.

عَنْ: حرفُ جرٍّ.

صَلَاتِهِمْ: اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ عنْ، وعلامةُ جرِّهِ الكسرةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقانِ بالخبرِ ساهونَ، وهُمْ ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ جرٍّ بالإضافةِ.

سَاهُونَ: خبرٌ للمبتدأِ هُمْ، مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ؛ لأنَّهُ جمعُ مذكَّرٍ سالمٌ، والنُّونُ عوضٌ عنِ التَّنوينِ في الاسمِ المفردِ.

(همْ ساهونَ): جملةٌ اسميَّةٌ، صلةُ الموصولِ الاسميِّ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

أَرَأَيْتَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَيُكَذِّبُ بِالدِّينِ

الَّذِينَ: اسمٌ موصولٌ، مبنيٌّ على الفتحِ، في محلِّ جرٍّ، صفةٌ ثانيةٌ للمصلِّينَ.

وفيهِ الأوجهُ السَّابقةُ في الاسمِ الموصولِ المتقدِّمِ.

قالَ السَّمينُ: «إلَّا أنَّهُ يُحتملُ أنْ يكونَ تابعاً للمصلِّينَ، وأنْ يكونَ تابعاً للموصولِ الأوَّلِ».

هُمْ: ضميرٌ منفصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ، مبتدأٌ.

يُرَاءُونَ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ، ثبوتُ النُّونِ؛ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ، فاعلٌ.

(يراءونَ): جملةٌ فعليَّةٌ، في محلِّ رفعٍ، خبرٌ للمبتدأِ هُمْ.

(هُمْ يراءونَ): جملةٌ اسميَّةٌ، صلةُ الموصولِ الاسميِّ، لا محلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.

وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ

وَيَمْنَعُونَ: الواوُ حرفُ عطفٍ، يمنعونَ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النُّونِ؛ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ، مبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ رفعٍ، فاعلٌ.

الْمَاعُونَ: مفعولٌ بِهِ ثانٍ، منصوبٌ، وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ الظَّاهرةُ على آخرِهِ.

قالَ السَّمينُ: والمفعولُ بِهِ الأوَّلُ محذوفٌ؛ إمَّا للعلمِ بِهِ، أي: يمنعونَ النَّاسَ أوِ الطَّالبينِ الماعونَ.

وإمَّا لأنَّ الغرضَ ذِكْرُ ما يمنعونَهُ لا مَنْ يمنعونَهُ تنبيهاً على شحاحَتِهِمْ وضَنِّهِمْ بالأشياءِ التَّافهةِ المستقبحةِ مَنْعُهَا عنْ كلِّ أحدٍ.

 (يمنعونَ): جملةٌ فعليَّةٌ، معطوفةٌ على جملةِ (يراءونَ) في محلِّ رفعٍ مثلُهَا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى