تراجم

لقمان الحكيم: ترجمته وأقوال العلماء فيه

ما يزال اسم لقمان يتردد على ألسنة الناس حتى اليوم، وإذا ذكر اسمه؛ فإنه يقترن بالحكمة، وهذا يدل على شخصيته القوية. وإن وجوده القوي في وقت ما من الزمن القديم فرض على الناس احترامه، وجعلهم يتلقون أقواله بالقبول والاستحسان.

ويكفينا نحن في إثبات حكمته أن القرآن الكريم قد ذكره وزكَّاه وبَيَّنَ حقيقة وجوده ببيان اسمه وإنعام الله عليه بالحكمة والمعرفة، وذكر بعض مواعظه لابنه.

من لقمان الحكيم؟

هو لقمان بن عنقاءَ بن سَدُونَ، ويقال لقمان بن ثاران، حكاه السهيلي عن ابن جرير والقتيبي.

-وقيل: هو لقمان الحَكِيم بن باعوراء بن أخت أيوب عليه السلام.

-وقيل: كان في زمن داود عليه السلام، وأخذ العلم عنه، وكان قاضياً في بني إسرائيل، وقيل: كان عبداً نوبيّاً من السودان.

-قال السهيلي: وكان نوبياً من أهل أيلة.

-قال ابن كثير: وكان رجلاً صالحاً، ذا عبادة، وعبارة، وحكمة عظيمة.

كان رجلاً من حكماء أهل الأرض، وذكره الله تعالى في القرآن الكريم في سورة لقمان.

-وقال سفيان الثوري: عن الأشعث عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان عبدا حبشياً نجاراً.

-وقال قتادة: عن عبد الله بن الزبير، قلت لجابر بن عبد الله: ما انتهى إليكم في شأن لقمان؟ قال: كان قصيراً، أفطس من النوبة.

موطنه ومدفنه

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما كان لقمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: كان حبشياً.

-وقال إبراهيم بن أدهم: بلغني أن قبر لقمان ما بين مسجد الرملة وموضع سوقها اليوم، وفيها قبر سبعين نبياً ماتوا بعد لقمان كلهم أخرجهم بنو إسرائيل، فألجؤوهم إلى الرملة وأحاطوا بهم فماتوا كلهم جوعاً، فتلك قبورهم بين المسجد والسوق.

وقيل: إن قبره في قرية صرفند ظاهر مدينة الرملة من أعمال فلسطين.

أقوال العلماء في لقمان الحكيم

-وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، قال: كان لقمان من سودان مصر، ذا مشافر أعطاه الله الحكمة، ومنعه النبوة.

-قال عنه سلمان الفارسي: من لكم بمثل لقمان الحكيم؛ ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول، والعلم الآخر، بحر لا يُنْزَفُ.

-روي عن قتادة في قوله {ولقد آتينا لقمان الحكمة} قال: يعني الفقه في الإسلام، ولم يكن نبياً، ولم يوح إليه، وهكذا نص على هذا غير واحد من السلف منهم مجاهد، وسعيد بن المسيب، وابن عباس. والله تعالى أعلى وأعلم.

-روى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء أنه قال يوماًن وذكر لقمان الحكيم، فقال: ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال، ولكنه كان رجلاً ضمضمامة أي جسمه ممتلئ الخلق أو شجاع، وكان سكيتاً، طويل التفكير، عميق النظر، لم ينم نهاراً قط.

-قال عنه ابن كثير: كان رجلاً صالحاً، ذا عبادة وعبارة، وحكمة عظيمة.

حكمة لقمان

ذكر ابن كثير أنه كان للقمان الحكيم كتاب يؤثر عنه يسمى (حكمة لقمان) أو (مجلة لقمان). وقد ذكر ابن الإشبيلي أنه روى هذه الحكمة عن وهب بن منبه وأورد سنده في ذلك.

والظاهر أن هذه المجلة تحتوي على حكم كثيرة جليلة المعنى، ونقل بعض المؤرخين أنها كانت موجودة عند بعضهم في صدر الإسلام؛ فقد ذكر ابن إسحاق أنه لما قدم سويد بن صامت مكة حاجاً أو معتمراً، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم: الكامل، لِجَلَدِه وشِعره وشرفه ونسبه، عندها تصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه إلى الله وإلى الإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك؟ قال: مجلة لقمان، يعني حكمة لقمان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعرضها علي، فعرضها عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله تعالى علي، هو هدى ونور، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد عنه، وقال: إن هذا القول حسن، ثم انصرف عنه، فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج، فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنا لنراه قد قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بعاث.

ومما وجد في حكمة لقمان:

-روى ابن عبد البر في بهجة المجالس أن كعب الأحبار تباعد يوماً في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأنكر ذلك عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن في حكمة لقمان ووصيته لابنه: إذا جلست إلى ذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل، فلعله يأتيه من هو آثَرُ عنده منك، فيُنَحِّيك، فيكون نقصاً عليك.

-قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: مكتوب في الحكمة: يا بني إياك والرَّغَب؛ فإن الرغب كل الرغب يبعد القريب من القريب، ويزيل الحكم كما يزيل الطرب، يا بني، إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم.

وقال: مكتوب في الحكمة: بني لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطاً؛ تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.

وقال: مكتوب في الحكمة أو في التوراة: الرفق رأس الحكمة.

وقال: مكتوب في الحكمة: كما تزرعون تحصدون.

-وروي عن أبي حبيب السلمي قال: قرأت في الحكمة: أنصت للسائل حتى ينقضي كلامه ثم اردد عليه برحمة، وكن لليتيم كالأب الرحيم، وكن للمظلوم ناصراً تكن خليفة الله في أرضه.

-وروي عن هشام بن عروة عن أبيه قال: مكتوب في الحكمة: لا تخن الخائن؛ خيانته تكفيه.

-وروى هشان بن عروة عن أبيه قال: مكتوب في الحكمة: ملعون من لعن أباه، ملعون من لعن أمه، ملعون من صد عن السبيل وأضل الأعمى عن الطريق، ملعون من ذبح بغير اسم الله، ملعون من غيَّر تخوم الأرض.

وفي حكمة لقمان: إن العالم الحكيم يدعو الناس إلى علمه بالصمت والوقار، وإن العالم الأخرق يطرد الناس عن علمه بالهذر والإكثار.

الآن نضع بين أيديكم بعضاً من درر واقوال وحكم لقمان الحكيم، هذا الفقرة ستكون محدثة دائماً بإذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى