تراجم

الرافعي: من هو، وسيرة حياته

نقدم بين أيديكم مقالة جديدة، نتحدث فيها عن الأديب مصطفى صادق الرافعي؛ سيرة

حياته، ونشأته، وعلمه، وأدبه من شعر وكتابة ونثر، وعن مؤلفاته المشهورة والمذهلة، ثم نورد لكم بعض المقالات والحكم من خلال اقتباسات نأخذها من أقواله الكثيرة.

من الرافعي؟

الرافعي سوري الأصل، مصري المولد: فأسرته من طرابلس الشام يعيش على أرضها إلى اليوم أهله وبنو عمه؛ ولكنه وُلِدَ في مصر، وعلى ضفاف النيل عاش أبوه وجده والأكثرون من بني عمه وأخواله منذ أكثر من قرن.

ينتمي الرافعي إلى الشيخ عبد القادر الرافعي المتوفى سنة ١٢٣٠ هجرية في طرابلس الشام.

وقد وفد أجداده إلى مصر سنة ١٢٤٣ هجرية نحو ١٩٢٧ ميلادية.

ووالده الشيخ عبد الرازق الرافعي الذي كان رئيساً للمحاكم الشرعية في كثير من المناطق في مصر.

أما والدة الرافعي فهي أيضاً سورية الأصل أبوها الشيخ الطوخي، وأصله من حلب.

نشأة الرافعي

استمع الرافعي إلى أبيه أول ما استمع تعاليم الدين وحفظ شيئاً من القرآن، ثم في سن العاشرة دخل مدرسة دمنهور الابتدائية، ثم نُقِلَ أبوه قاضياً إلى محكمة المنصورة فانتقل الرافعي معه إلى مدرسة المنصورة الأميرية، فنال منها الشهادة الابتدائية وسنه يومئذ سبع عشرة سنة أو دون ذلك بقليل. وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وهي كل ما نال من الشهادات الدراسية؛ أصابه مرض أثبته في فراشه أشهراً قيل إنه التيفوئيد، فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثراً كان حبسةً في صوته ووقراً في أذنيه من بعد.

وكان لوالد الرافعي مكتبة حافلة تجمع أشتاتاً من نوادر كتب الفقه والدين والعربية، فأكب عليها إكباب النهم على الطعام الذي يشتهيه: فما مضى إلا قليل حتى استوعبها وأحاط بكل ما فيها وراح يطلب المزيد، وكان له من علته التي أصابته بسبب مرضه سبب يباعد بينه وبين الناس فما يجد لذة ولا راحة في مجالسة أحد، وكان ضجيجُ الحياة بعيداً عن أذنيه، وكان إذا أحس في نفسه نقصاً في ناحية يجهد جهده ليداريه بمحاولة الكمال في ناحية أخرى، وكان يعجزه أن يسمع؛ فراحَ يلتمس أسباب القدرة على أن يتحدث، وكان مشتاقاً إلى السمع ليعرف ماذا في دنيا الناس؛ فمضى يلتمس المعرفة في قراءة أخبار الناس وفاتته لذة السامع حين يسمع فذهب يَنْشُدُ أسباب العلم والمعرفة ليجد لذة المتحدث حين يتحدث، وقال لنفسه: إذا كان الناس يعجزهم أن يسمعوني فليسمعوا مني.

وبذلك اجتمعت للرافعي كل أساب المعرفة والاطلاع، وكانت علته خيراً عليه وبركة. وعرف العلم سبيله من نافذة واحدة من نوافذ العقل إلى رأس هذا الفتى النحيل الضاوي الجسد الذي هيأته القدرة بأسبابها والعجز بوسائله ليكون أديباً من أدباء العربية في غدٍ.

ولم تجد على الرافعي معرفته الفرنسية إلا قليلاً أو أقل من القليل: فمنذ أنهى المدرسة لم يجد في نفسه إليها نزوعاً قوياً: فلزمها سنوات يقرأ فيها بعض ما يتفق له من الكتب القليلة المقدار في العلم والأدب، ثم هجرها إلى غير لقاء على أنه كان يأسف أحياناً على هجرها ويمني نفسه بالعودة إليها في وقت فراغ، وهيهات أن يجد مثلُ الرافعي فراغاً من وقته.

الرافعي الشاعر

اشتغل الرافعي بالشعر من أول نشأته، وكان يريد أن يكون شاعراً، كبعض من يعرف من شعراء العربية، أو خيراً ممن يعرف من شعرائها، وكان واسع الأمل، كبير الثقة، عظيم الطموح، كثير الاعتداد بالنفس.

لم يكن الرافعي يعرف في أيام نشأته الأولى أنه سينتهي من الأدب إلى هذه الغاية، وأن الحياة سترده من الهدف الذي يسعى إليه في إمارة الشعر إلى هذا الهدف الذي انتهى إليه في ديوان الأدب والإنشاء.

وكانت منافسة بينه وبين حافظ إبراهيم منافسة مؤدبة كريمة، وظلا صديقين حميمين.

بدأ الرافعي يقول الشعر ولما يبلغ العشرين من عمره، ينشره في الصحف وفي مجلات السوريين التي تصدر في مصر، كمجلة الضياء والبيان والثريا والزهراء وغيرها.

الرافعي الكاتب

بلغ الرافعي الشاعر مبلغه سنة ١٩٠٥ ميلادية، ونزل منزله بين شعراء العصر، وجرت ريحه رخاء إلى الهدف المؤمل، فامتد نظره إلى جديد.

وأخذ يروض قلمه على الإنشاء؛ لعله يبلغ فيه مبلغه في الشعر، فأنشأ بضع مقالات مصنوعة فتنته وملكت إعجابه، فتهيأ لأن يصدر كتاباً مدرسياً في الإنشاء سماه (ملكة الإنشاء) يكون نموذجاً للمتأدبين وطلاب المدارس.

وبعدها بدأت رحلته في التأليف فألف كتابه (تاريخ آداب العرب)، فنال بكتابه هذا مكانة سامية بين أدباء عصره، وشغل به العلماء وقتاً غير قليل.

وفي السنة التالية أصدر الرافعي الجزء الثاني من تاريخ آداب العرب، وموضوعه إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وهو الذي أصدره من بعد في طبعته الثانية باسم (إعجاز القرآن).

من آثاره الأدبية: ديوان الرافعي، ديوان النظرات، ملكة الإنشاء، تاريخ آداب العرب، إعجاز القرآن، حديث القمر، أوراق الورد، وحي القلم، وغيرها.

-تاريخ آداب العرب: نال الرافعي بكتابه هذا مكاناً سامياً بين أدباه عصره، وشغل به العلماء وقتاً غير قليل، وحسبك به من كتاب أن يقضي الأستاذ أحمد لطفي السيد أسبوعاً يخطب عنه في مجلس العاصمة، وقد كتب عنه مقالاً ضافياً في الجريدة.

وأسلوب الرافعي في هذا الكتاب أسلوب العالم الأديب، يجد فيه كل طالب طلبته من العلم والأدب والبيان الرفيع، وكان الرافعي يومئذ قد أتم الثلاثين من عمره.

وفي السنة التالية أصدر الرافعي الجزء الثاني من تاريخ آداب العرب، وموضوعه إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وهو الذي أصدره من بعد في طبعته الثانية باسم (إعجاز القرآن)، وباسمه الثاني يعرفه قراء العربية.

-حديث القمر: كان الرافعي شاعراً بطبعه، ولكن شعره كان أقوى من أداته، وكانت قوالبه الشعرية تشيق عن شعوره؛ فنزع إلى النثر الفني. وكان يرمي إلى أن يعيد الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكُتَّاب وينشئ الأدباء؛ لتعود اللغة على أولها فصيحة جزلة مبينة، وإنه أخذ على نفسه أن يكون نموذجاً في هذا الأدب الجديد يحتذيه أدباء العربية: فأنشأ كتاب (حديث القمر) وهو أول ما نشر الرافعي من أدب الإنشاء؛ أصدره بعد كتابيه: تاريخ آداب العرب، وإعجاز القرآن. وهو كتاب مشهور متداول وأسلوبه رمزي في الحب، على ضرب من النثر الشعري، أو الشعر النثري، يصف فيه من عواطف الشباب وخواطر العاشق وما إليهما في أسلوب فني مصنوع لا أحسبه مما يطرب الناشئين من قراء العربية في هذه الأيام، إلا أن يقرؤوه على أنه زاد من اللغة وذخر من التعبير الجميل، ومادة لتوليد المعاني وتشقيق الكلام في لفظ جزل وأسلوب بليغ.

ومن هذا الكتاب كانت أول تهمة للرافعي بالغموض والإبهام واستغلاق المعنى عند فريق من المتأدبين.

زر الذهاب إلى الأعلى