تراجم

من الزمخشري؟ حياته ومؤلفاته وأقواله

هوَ محمودُ بنُ عمرَ بنِ محمَّدٍ بنِ عمرَ الخوارزميُّ، أبو القاسمِ، جارُ اللَّهِ الزَّمخشريُّ.

وُلدَ الزَّمخشريُّ سنةَ ٤٦٧ هجريَّةً، في زمخشرَ، ونشأَ بِهَا ودرسَ على يدِ بعضِ مشايخِهَا، ثُمَّ رحلَ إلى بخارى ليطلبَ العلمَ، وبعدَهَا انتقلَ إلى خراسانَ ومِنْهَا إلى أصبهانَ، ثُمَّ اتَّجهَ إلى مكَّةَ المكرَّمةِ، ولقب جار الله لأنه جاور مكة زماناً.

كانَ الزَّمخشريُّ واسعَ العلمِ، رأساً في البلاغةِ العربيَّةِ والمعاني والبيانِ، وقدْ شَهِدَ لَهُ بذلِكَ عددٌ مِنَ العلماءِ، منهُمُ السَّمعانيُّ، والذَّهبيُّ، وياقوتُ الحمويُّ، والسُّيوطيُّ.

قالَ عَنْهُ السَّمعانيُّ: كانَ يُضَرَبُ بِهِ المثلُ في علمِ الأدبِ والنَّحوِ، لقيَ الأفاضلَ والكبارَ، وصنَّفَ تصانيفَ في التَّفسيرِ وشرحِ الأحاديثِ وفي اللُّغةِ.

شيوخ الزمخشري وتلاميذه

أخذ الزمخشري العلم عن عدد من العلماء من أشهرهم:

-أبو مضر: محمود بن جرير الضبي الأصفهاني، وكان يلقب بفريد عصره، وكان وحيد دهره في علم اللغة والنحو والطب، وقد درس عليه الزمخشري النحو والأدب، وكان أعظم أساتذته أثراً في نفسه، وعنه أخذ مذهب الاعتزال.

-أبو الخطاب: نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر البغدادي، البزاز القارئ، مسند العراق، وكان صحيح السماع.

-أبو السعد: المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، يقال له الحاكم الجشمي، مفسر، وعالم بالأصول والكلام، وكان معتزلياً زيدياً، وهو شيخ الزمخشري في التفسير.

-أبو منصور: موهوب بن أحمد بن محمد بن الجواليقي، إمام الخليفة المقتفي، كان من المحامين عن السنة، وقد قرأ عليه الزمخشري بعض كتب اللغة من فواتحها واستجازه فيها.

-عبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد الله اليابري، نحوي أصولي فقيه. قرأ عليه الزمخشري كتاب سيبويه.

أما تلاميذه: فقد تتلمذ على يده عدد من طلبة العلم والأصحاب، منهم من أخذ عنه العلم مشافهة، ومنهم من أخذه بطريق الإجازة، ومن هؤلاء الطلاب:

أخطب خوارزم، وزين المشايخ، وأبو الحسن العمراني الخوارزمي، وأبو يوسف البلخي، وصائن الدين، وغيرهم.

مكانة الزمخشري العلمية

كان الزمخشري واسع العلم، رأساً في البلاغة العربية والمعاني والبيان، وقد شهد له بذلك عدد من العلماء منهم:

-قال عنه السمعاني: كان يضرب به المثل في علم الأدب والنحو، لقي الأفاضل والكبار، وصنف تصانيف في التفسير، وشرح الأحاديث، وفي اللغة.

-قال عنه الذهبي: العلامة كبير المعتزلة، النحوي، صاحب الكشاف والمفصل، وكان رأساً في البلاغة العربية والمعاني والبيان، وله نظم جيد.

-قال عنه ياقوت الحموي: كان إماماً في التفسير والنحو واللغة والأدب، وهو واسع العلم، كبير الفضل، متفنناً في علوم شتى.

مؤلفات الزمخشري

ذكرَ المترجمونَ لحياةِ الزَّمخشريِّ أنَّ لَهُ نحواً مِنْ خمسينَ مؤلَّفاً في فنونِ الآدابِ واللُّغةِ والتَّرجمةِ والحديثِ والفقهِ، منْهَا: الكشَّافُ عنْ حقائقِ غوامضِ التَّنزيلِ، الفائقُ، أساسُ البلاغةِ، المفصَّلُ، المستقصى في الأمثالِ، القسطاسُ، نوابغُ الكلمِ، ربيعُ الأبرارِ، أطواقُ الذَّهبِ، وغيرُهَا الكثيرُ.

١ –الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: هذه التسمية هي التي أوردها المؤلف في مقدمة كتابه. وكان موضوع الكتاب هو تفسير القرآن الكريم من الجانب البياني والبلاغي، وقد حرص الزمخشري عند تفسيره لكثير من الأبيات أن يورد ضروباً من الاستعارات والمجازات والاشكال البلاغية، كل ذلك ليبرز جمال أسلوب القرآن الكريم وكمال نظمه، وهو بهذا يعد أوسع كتب التفسير مجالاً في هذا الصدد.

٢ –الفائق: في غريب الحديث، وقد رتب الزمخشري كتابه على حروف المعجم، لكن في العثور على طلب الحديث منه تكلف ومشقة، وقد أتمه في شهر ربيع سنة ٥١٦ هجرية.

٣ –أساس البلاغة: وهو معجم مفيد، وله عناية خاصة بالاستعارة والمجاز في اللغة.

وهو كتاب كبير الحجم عظيم الفحوى، من أركان فن الأدب بل هو أساسه، ذكر فيه المجازات اللغوية، والمزايا الأدبية، وتعبيرات البلغاء.

٤ –المفصل: وهو كتاب في تعليم النحو، اعتنى به وشرحه الكثير من أئمة النحو، وصار عمدة في هذا الفن بسبب أسلوبه الواضح المحكم.

٥ –المستقصى في الأمثال: مختصر ومرتب على الحروف، وقد فرغ من تأليفه في شهر رمضان سنة ٤٩٩ هجرية.

٦ –القسطاس: كتاب في العروض.

٧ –نوابغ الكلم: وهو مجموعة جميلة من الأقوال ألفه الزمخشري في مكة.

٨ –ربيع الأبرار ونصوص الأخيار: وهو مجموعة من الأقوال والحكم، ويظهر أن الزمخشري ألفه في أثناء رحلته عائداً إلى وطنه بعد جواره الثاني.

٩ –أطواق الذهب: وهو مختصر مشتمل على مئة مقالة كالمقامة.

هذه المؤلفات وغيرها للزمخشري إن دلت على شيء؛ فعلى أن حياته العلمية كانت حياة خصبة مليئة بالإنتاج والحيوية، وقد غلب على الزمخشري في بداية حياته التأليف اللغوية والنحوي، ثم اتجه بعد ذلك إلى التأليف الديني بسبب الهزات والأحداث التي واجهته.

عقيدة الزمخشري ومذهبه

كانَ الزَّمخشريُّ واحداً مِنْ رؤوسِ المعتزلةِ ودعاتِهَا الأقوياءِ، وقد عاش في بيئة تموج بالاعتزال والمعتزلة، وكان لشيخه أبو مضر الضبي أثر كبير في ترسيخ هذا المذهب لديه، وكان لشيخه الثاني أبو السعد الجشمي وهو شيخه في التفسير كبير الأثر في ترسيخ مذهب الاعتزال لديه، ولأجل هذا نقل الزمخشري الكثير من آراء المعتزلة في كشافه.

وقد نشأ الزمخشري متحمساً للاعتزال مذيعاً لتعاليمه، حتى أنه يُروى عنه أنه كان إذا قصد صاحباً له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن: قل له: أبو القاسم المعتزلي بالباب.

لكنَّ بعض الروايات تقول أن الزمخشري تابَ عنْ مذهبِ الاعتزالِ في آخرِ حياتِهِ كمَا يَذكرُ بعضُ أصحابِ التَّراجمِ، وهذا لم يثبت لدى أحد، والله أعلم.

وكانَ الزمخشري حنفيَّ المذهبِ في الفروعِ. قالَ عنْ نفسِهِ:

وأسندُ ديني واعتقادي ومذهبي * إلى حنفاءَ أختارُهُمْ وحنايفا

حنيفيَّةٌ أديانُهُمْ حنفيَّةٌ * مذاهبُهُمْ لا يبتغونَ الزَّعانفا

توفِّيَ الزَّمخشريُّ ليلةَ عرفةَ، سنةَ ٥٣٨ هجريَّةً بجرجانيةِ خوارزمَ بعدَ رجوعِهِ مِنْ مكَّةَ.

وإليكُمْ بعضاً ممَّا قالَهُ الزَّمخشريُّ.

أقوال الزمخشري

-عَلَيكَ بِالْعَمَلِ دُونَ التَّمَنِّي، وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَ دُونَ التَّأَنِّي. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ١٠).

-مَا الْجِدُّ إِلَّا غَرِيزَةٌ، وَهُوَ فِي النَّاسِ عَزِيزَةٌ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ٣).

الجِدُّ: الاجتهادُ في الأمرِ، الغريزةُ: الطَّبيعةُ. العزيزُة: ما صَعُبَ وجودُهَا.

-الْأَمِينُ آمِنٌ، وَالْخَائِنُ حَائِنٌ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ١٢).

-أَفْلَسُ الْقَومِ أَفْشَلُهُمْ، وَأَفْشَلُهُمْ أَسْفَلُهُمْ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ١٦).

-الْأَبُ أَعْرَفُ وَأَشْرَفُ، وَالْأُمُّ أَرْأَمُ وَأَرْأَفُ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ١٠).

أرأمُ: أي أعطفُ وأكثرُ حُبَّاً وألفةً.

أرأفُ: أرحمُ.

المعنى: الأب أعلم وأعلى بين الناس، والأم أعطف وأكثر حباً وألفة وأرحم.

وهذا لا يعني أن الزمخشري يفاضل بينهما مطلقاً، بل هو توصيف لكل واحد منهما على حدة؛ فقد يكون أحدهما متصفاً بصفات غيره.

-حَبَّذَا الْوَادِقُ إِذَا رَعَدَ، وَالصَّادِقُ إِذَا وَعَدَ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ٢).

-الْعِلْمُ دَرْسٌ وَتَلْقِينٌ لَا طَرْسٌ وتَرْقِينٌ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ٢٠).

الطَّرْسُ: هوَ الصَّحيفةُ أوِ الكتابُ، ترقينُ الكتابِ: تزيينُهُ.

المعنى: العِلمُ هوَ أنْ تدرسَهُ وتفهَمَهُ، لا أنْ تضعَهُ في كتابٍ وتُزَيِّنَهُ فقطْ.

-مَنْ لَمْ يُقَوِّمْهُ التَّأْنِيبُ لَمْ يُقَوِّمْهُ التَّأْدِيبُ. (نوابغُ الكلمِ للزَّمخشريِّ: ص: ٨).

-الْأَحْمَقُ لَا يَجِدُ لَذَّةَ الْحِكْمَةِ، كَمَا لَا يَتَمَتَّعُ بِالْوَرْدِ صَاحِبُ الزُّكْمَةِ. (الكلمُ النَّوابغُ للزَّمخشريِّ: ٧٤).

-الْعَمَلُ مَعَ فَسَادِ الِاعْتِقَادِ مُشَبَّهٌ بِالسَّرَابِ وَالرَّماَدِ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ١٦).

-رُبَّ صَدَقَةٍ مِنْ بَينِ فَكَّيكَ خَيرٌ مِنْ صَدَقَةٍ مِنْ بَطْنِ كَفَّيكَ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ١٦).

-صِنْوَانٌ مَنْ مَنَحَ سَائِلَهُ وَمَنَّ، وَمَنَعَ نَائِلَهُ وَضَنَّ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ١٧).

-إِنْ جَمْجَمَ الْبَاطِلُ فَأَنْتَ أَسْمَعُ مِنْ سِمْعٍ، وَإِنْ هَمْهَمَ الْحَقُّ فَكَأَنَّكَ بِلَا سَمْعٍ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ١٧).

-الْعَلْمُ جَبَلٌ صَعْبُ الْمَصْعَدِ، وَلَكِنَّهُ سَهْلُ الْمُنْحَدَرِ، وَالْجَهْلُ مَنْهَلٌ سَهْلُ الْمَورِدِ، إِلَّا أَنَّهُ صَعْبُ الْمَصْدَرِ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ٢٣).

-رُبَّ سِلَاحٍ يَقُولُ لِحَامِلِهِ ضَعْنِي، وَرُبَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِصَاحِبِهَا دَعْنِي. (أطواق الذهب في المواعظ والخطب للزمخشري: ٣٠).

-لَا تَرْضَ لِمُجَالَسَتِكَ إِلَّا أَهْلَ مُجَانَسَتِكَ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ٦٣).

-لَا تَجْعَلْ صُنْدُوقَ السِّرِّ إِلَّا صَدْرَ الصَّدُوقِ الْحُرِّ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ٥٣).

-إِنَّ مَجْدَ الْأَبِ لَيسَ بِمُجْدٍ، إِذَا كُنْتَ فِي نَفْسِكَ غَيرَ ذِي مَجْدٍ. (أطواق الذهب في المواعظ والخطب للزمخشري: ١٥).

-اسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ رَاءٍ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا كُلَّ يَومٍ إِلَى وَرَاءٍ. (أطواق الذهب في المواعظ والخطب للزمخشري: ٢٢).

-طَعْمُ الْآلَاءِ أَحْلَى مِنَ الْمَنِّ، وَهُوَ أَمَرُّ مِنَ الْأَلَاءِ مَعَ الْمَنِّ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ٣٥).

-رُبَّ عُلُومٍ لَا تَنْفَعُ، وَأَعْمَالٌ لَا تُرْفَعُ، وَلَيسَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا إِلَّا كَدُّ الْقَرَائِحِ، وَكَدْحُ الْجَوَارِحِ. (أطواق الذهب للزمخشري: ٣٢).

-قَدْ أَمِنَ الْحِرْمَانَ مَنْ سَأَلَ الرَّحْمَنَ. (الكلم النوابغ للزمخشري: ١٤ -١٥).

-هَلُمَّ إِلَى اسْتِشَارَةِ عَقْلِكَ فَتَبَصَّرْ، وَإِلَى اسْتِخَارَةِ ذِهْنِكَ فَتَدَبَّرِ. (أطواق الذهب للزمخشري: ١٠).

-أَعْطِنِي قَلْبَكَ وَالْقَنِي مَتَى شِئْتَ. (ربيع الأبرار للزمخشري: ٢/ ٣٢١).

-الْقَولُ لَا تَمْلِكُهُ إِذَا نَمَا، كَالسَّهْمِ لَا تَمْلِكُهُ إِذَا رَمَى. (ربيع الأبرار: ٥/ ٢١٤).

-لَا تَرْضَ عَنْ نَفْسِكَ تَمْلِكْهَا. (نوابغ الكلم: ١٣).

زر الذهاب إلى الأعلى