مقالات لغوية

الأرقام العربية والأرقام الهندية

تعدُّ مسألةُ الأرقامِ العربيَّةِ مِنَ المسائلِ الَّتي تؤرِّقُ النَّاسَ في عصرِنَا، وقدْ دارَ عليهَا جدلٌ كبيرٌ بينَ المختصِّينَ وغيرِ المختصِّينَ، لذا بحثْنَا في مصادرَ كثيرةٍ لندلَّكُمْ على القولِ الفصلِ بإذنِ اللهِ، وقسَّمْنَا البحثَ إلى نقاطٍ حتَّى يسهلَ فهمُهُ:

ما الأرقامُ التي كتبَ بِهَا العربُ قديماً؟

كانَ العربُ -قبلَ اختراعِ الأرقامِ -يكتبونَ أرقامَهُمْ بالحروفِ (نظامِ الجُمَلِ)، أو كتابةً كمَا وردَ في القرآنِ الكريمِ والحديثِ.

والدَّليلُ على أنَّهُمْ كانُوا يكتبُونَ أرقامَهُمْ بالحروفِ ما تُشيرُ إليهِ النَّمارةُ الَّتي عُثِرَ عليهَا في أطلالِ النَّمارةِ بحورانَ، ويؤكِّدُهُ نصُّ أبرهةَ الأشرمِ المنقوشُ على سدِّ مأربَ المشهورِ.

واستُعمِلَ نظامُ التَّرقيمِ على حسابِ الجُمَلِ، فكانَ الألفُ يساوي واحداً، والباءُ اثنينِ، والياءُ عشرةً، والقافُ مئةً، والغينُ ألفاً.

وعندَ تركيبِ الأعدادِ تُضافُ الحروفُ، فإذا أُريدَ الرَّقْمُ (١٢٤٠) كتبُوا (مرغ)؛ لأنَّ الميمَ أربعونَ والرَّاءَ مئتانِ والغينَ ألفٌ.

ويبدو أنَّ استخدامَهُمْ للحروفِ لمْ يجعلْهُمْ يفكِّرونَ بالصِّفرِ في تلكَ المرحلةِ.

هلِ استعملَ العربُ الأرقامَ الهنديَّةَ؟

إنَّ الأرقامَ الَّتي استعملَهَا العربُ لمْ تكنْ الهنديَّةَ صورةً، بلْ إنَّ الَّذي أخذَهُ العربُ مِنَ الهندِ هوَ الفكرةُ القائمةُ على النِّظامِ العشريِّ المعروفِ.

وقدْ ذكرَ البيرونيُّ أنَّ الحروفَ الأبجديَّةَ والأرقامَ اختلفَتْ لدى الهنودِ أنفسِهِمْ في إقليمٍ ما عنْهُ في إقليمٍ آخرَ.

واستطاعَ خلالَ رحلاتِهِ المتعدِّدةِ في الهندِ أنْ يتعرَّفَ على علومِهِمْ ولغتِهِمْ، وأنْ يشرحَ طريقةَ أخْذِ العربِ للأرقامِ الهنديَّةِ مِنْ غيرِ أنْ يأخذُوا عنِ الهنودِ شكلَ تلكَ الأرقامِ كما هيَ.

ومعنى ذلِكَ أنَّ شكلَ الرَّقْمِ العربيِّ ليسَ كشكلِ الرَّقمِ الهنديِّ، وأنَّ الَّذي أخذَهُ العربُ هوَ الفكرةُ القائمةُ على النِّظامِ العشريِّ المعروفِ.

هلِ الهنودُ هُمْ مَنِ اخترعُوا النِّظامَ العشريَّ؟

قيلَ إنَّ النِّظامَ العشريَّ الَّذي كتبَ بِهِ العربُ والَّذي أخذُوهُ مِنَ الهندِ لا يُستبعدُ أنْ يكونَ الهنودُ قدْ أخذُوهُ عنِ البابليِّينَ مثلَمَا أخذَهُ العربُ.

وقيلَ إنَّ الأرقامَ الهنديَّةَ وصلَتْ على مدارسِ الرُّهبانِ في وادي الرَّافدينِ عامَ ٦٢٢ للميلادِ.

ولكنَّ القدماءَ لمْ يشيرُوا إلى ذلِكَ، بلْ ذهبَ معظمُهُمْ إلى أنَّ الفكرةَ هنديَّةٌ.

وقيلَ إنَّ الهنودَ استخدمُوا في بدايةِ عهدِهِمْ بالأرقامِ نظاماً مشابهاً للنِّظامِ الصِّينيِّ، واستمرَّ ذلِكَ حتَّى عامِ ٣٠٠ ق. م. حيثُ توصَّلُوا إلى نظامِهِمُ الشَّهيرِ، كمَا توصَّلُوا إضافةً إلى ذلِكَ إلى نظامِ الخاناتِ الَّذي كانَ مستعملاً مِنْ قبلِ البابليِّينَ.

لماذا سمَّى العربُ الأرقامَ هنديَّةً؟

سمَّى العربُ هذهِ الأرقامَ (هنديَّةً) تكريماً للهنودِ؛ لأنَّهُمْ أخذُوا النِّظامَ منهُمْ. وسمَّى الغربيُّونَ الأرقامَ الَّتي يكتبُونَ بِهَا الآنَ (عربيَّةً) لأنَّ الغربيِّينَ أخذُوهَا عنِ العربِ الَّذينَ وضعُوا أساسَهَا.

ما سببُ كتابةِ العربِ بالأرقامِ؟

بسببِ التَّطوُّرِ الَّذي مرَّ بِهِ العربُ في ظلِّ الإسلامِ، والَّذي دفعَهُمْ إلى التَّفكيرِ بطريقةٍ أخرى تَكُونُ أيسرَ مِنْ طريقةِ حسابِ الجُمَلِ.

مَنْ نقلَ الأرقامَ الهنديَّةَ إلى العربِ؟

قيلَ: إنَّهُ الفلكيُّ (محمَّدُ بنُ إبراهيمَ الفَزَاريُّ الكوفيُّ) المتوفَّى نحوَ سنةِ ١٨٠ هـ (٧٩٦ م)، فقدْ ألَّفَ كتابَ (السِّندُ هندُ الكبيرُ) بأمرٍ منَ الخليفةِ المنصورِ سنةَ ١٥٦ هـ مترجماً الكتابَ الهنديَّ (السِّندُ هندُ)، ونقلَ فكرةَ الأعدادِ منَ الهنودِ.

أمَّا (أبو جعفرٍ محمَّدُ بنُ موسى الخوارزميُّ) فهوَ الَّذي شرحَ نظامَ الأعدادِ، ووضعَ لَهَا الأشكالَ الَّتي عليهَا هذهِ الأرقامُ، وقامَ بوضعِ نظامينِ هُمَا: الأرقامُ الهنديَّةُ والأرقامُ الغباريَّةُ.

فعلى هذا: الأرقامُ العربيَّةُ سلسلتانِ: الأولى المستعملةُ في معظمِ البلادِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، وهيَ ما تُعرفُ بالهنديَّةِ، والثَّانيةُ الغُباريَّةُ الَّتي استُعمِلَتْ في الأندلسِ والمغربِ وأخذَهَا الأوربِّيُّونَ.

ما معنى الأرقامِ الغباريَّةِ؟

سُمِّيَتِ الأرقامُ الغباريَّةُ بهذا الاسمِ؛ لأنَّ أهلَ الهندِ كانُوا يتَّخذُونَ لوحاً أسودَ اللَّونِ يَمُدُّونَ عليهِ الغبارَ وينقشُونَ فيهِ ما شاءُوا، ولذلِكَ يسمَّى حسابَ الغبارِ.

شكلُ الأرقامِ الهنديَّةِ (المشرقيَّةِ)

يُبَيِّنُ الشَّكلُ التَّالي الأرقامَ الهنديَّةَ المشرقيَّةَ في بدايةِ الكتابةِ بِهَا

شكل الأرقام الهندية المشرقية في بداية الكتابة بها

ثُمَّ عُدِّلَتْ منْ قبلِ العربِ حتَّى وصلَتْ إلى الشَّكلِ التَّالي

الأرقام العربية الحالية

أوَّلُ مصدرٍ وصلَ إلينَا، يَحكي فيهِ مؤلِّفُهُ شكلَ الأرقامِ الغباريَّةِ، هوَ كتابُ (تلقيحُ الأفكارِ) لابنِ الياسمينِ، المتوفَّى سنةَ ٦٠١ هـ، فأوردَ مجموعتينِ للأرقامِ الغباريَّةِ:

الأولى في الشَّكلِ التَّالي

والمجموعةُ الثَّانيةُ

وأضافَ ابنُ الياسمينِ: (ولكنَّ النَّاسَ عندَنَا على الوضعِ الأوَّلِ)، قالَ الدُّكتورُ قاسمٌ السَّامرَّائيُّ: يريدُ أهلَ الحسابِ، أي إنَّ غيرَهُمْ منَ العلماءِ والعامَّةِ على الوضعِ الآخرِ.

أصلُ أشكالِ الأرقامِ الَّتي نكتبُ بِهَا

ذهبَ بعضُ الباحثينَ إلى أنَّ منشأَ الأرقامِ العربيَّةِ هوَ صورُ حروفِ الأبجديَّةِ العربيَّةِ، وليسَ الأشكالَ والرُّموزَ الَّتي كانَ الهنودُ يستخدمونَهَا كمَا يزعمُ بعضُ الباحثينَ بلا دليلٍ، وأنَّهَا لمْ تقُمْ على تعدادِ الزَّوايا الَّتي تحتويهَا صورةُ كلِّ حرفٍ.

وبـذلِـكَ تـســـقـطُ دعــوى مَــنْ ذهـــبَ إلــى أنَّ الأرقـــامَ الـغـبـاريَّــــةَ هـــيَ الـعـربـيَّـــةُ الأصـيـلـةُ، وأنَّ الأرقـــامَ الـمـألـــوفـــةَ الآنَ فـــي الــبـــلادِ الـــعــربـيَّـــةِ هـــنــديَّـــةُ الـشَّــــكـلِ.

أمَّا ما أوردَهُ بعضُ الباحثينَ نقلاً عنِ المستشرقِ الفرنسيِّ (Bernard Carra de Vaux) (برنارد كرا دي فو) المتوفَّى سنةَ ١٩٥٣م، مِنْ أنَّ الأرقامَ الغباريَّةَ قامَتْ على أساسِ الزَّوايا؛ حيثُ خُصِّصَتْ لكلِّ رقْمِ زوايا مناسبةٌ لقيمتِهِ؛ فإنَّ هذا الكلامَ لا يقومُ على دليلٍ، ومناقضٌ ومتعذِّرٌ في كلٍّ منَ الخمسةِ والسِّتَّةِ والسَّبعةِ والثَّمانيةِ والتِّسعةِ.

وعلى فرضِ صحَّةِ إمكانِ ذلِكَ معَ تكلٌّفٍ، فإنَّ الغرضَ منَ الأعدادِ الدَّلالةُ على معدوداتِهَا لا على كميَّةِ الزَّوايا كمَا يقولُ الدُّكتورُ محمَّدٌ السَّرَّاجُ.

هلِ الأرقامُ المستعملةُ في الغربِ هيَ نفسُهَا العربيَّةُ؟

ما يعرفُ الآنَ بالأرقامِ العربيَّةِ والمستعملةِ في البلادِ الأوربِّيَّةِ ليسَ كالشَّكلِ الَّذي يُعرفُ بالأرقامِ الغباريَّةِ، إنَّمَا حَدَثَ فيهِ بعضُ التَّغييرِ ليُلائمَ الحرفَ الأجنبيَّ، لذلِكَ لا يُمثِّلُ هذا التَّطوُّرُ أصالةَ الرَّقْمِ العربيِّ الغباريِّ.

كمَا أنَّ الأرقامَ الغباريَّةَ لمْ تنتشرْ في المغربِ العربيِّ إلَّا بعدَ مئاتِ السِّنينَ، ثُمَّ تسرَّبَتْ عنْ طريقِ الأندلسِ إلى بلادِ الفرنجةِ وفيهَا انتهَتْ إلى صورِهَا الحاضرةِ.

ما الأرقامُ الَّتي كتبَ بها العربُ؟

ثبتَ أنَّ الأرقامَ الهنديَّةَ هيَ الأصلُ، وهيَ الَّتي شاعَتْ قديماً في المخطوطاتِ العامَّةِ أو في مخطوطاتِ الحسابِ، ومِنَ الَّذينَ كَتبُوا بِهَا: الخوارزميُّ، والإقليدسيُّ، وابنُ الأثيرِ، وابنُ حجرٍ، وأحمدُ السَّنوسيُّ، وابنُ أبي الضِّيَّافِ، وأحمدُ المَقْريُّ وغيرُهُمْ.

لماذا انتشرتِ الأرقامُ الهنديَّةُ في البلادِ العربيَّةِ ولمْ تنتشرِ الغباريَّةُ؟

قالَ سالمٌ محمَّدٌ الحميدةُ في كتابِ الأرقامِ العربيَّةِ: إنَّ الخوارزميَّ أوَّلُ مَنْ ألَّفَ كُتُبَهُ بأرقامِ السِّلسلةِ الهنديَّةِ، وإنَّ شهرتَهُ وأهمِّيَّةُ مؤلَّفاتِهِ كانا عاملاً مهمّاً في انتشارِهَا في المشرقِ العربيِّ؛ إذْ إنَّ مؤلَّفاتِهِ هيَ المعمولُ بِهَا في الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ خلالَ تلكَ المرحلةِ.

وهذا يعني أنَّ الأرقامَ المستعملةَ الآنَ في العالمِ العربيِّ هيَ الأشكالُ الأصليَّةُ وليسَتِ الغباريَّةَ.

ما الأرقامُ الَّتي يجبُ أنْ نكتبَ بِهَا؟

يجبُ علينَا أنْ نكتبَ بالأرقامِ الَّتي كتبَ بِهَا أجدادُنَا، وهيَ الأرقامُ الهنديَّةُ؛ لأنَّ الأرقامَ الغباريَّةَ الحاليَّةَ جرى عليهَا تحويرٌ وتبديلٌ منْ قبلِ الغربيِّينَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى