مقالات لغوية

ما عدد الحروف العربية تسعة وعشرون أم ثمانية وعشرون؟

اعـتـاد الـعـرب فـي عـصـرنـا الـحـالـي أن عـدد الـحـروف الـعـربـيـة ثـمـانـيـة وعـشـرون حـرفاً، وتـعـلـمـوا ذلـك فـي مـدارس الـبـلاد الـعـربـيـة. لكنهم عندما يدخلون الجامعة أو يطلعون على الكتب يتفاجؤون بأن عددها تسعة وعشرون، وأن ما تعلمناه هو رأي واحد من العلماء فقط، بينما يجمع علماء اللغة قراءات القرآن أنها تسعة وعشرون حرفاً.

فما القول الصحيح والراجح؟

ومن قال بأنها تسعة وعشرون؟ ومن أفتى أنها ثمانية وعشرون؟

وهل توجد حروف أكثر من تسعة وعشرين؟

لنطَّلع إلى التفاصيل في هذه المقالة.

عدد الحروف العربية

يرتقي عدد الحروف العربية إلى اثنين وأربعين حرفاً.

فحروف العربية الأصول تلك التسعة والعشرون، قاله الخليل وسيبويه والزمخشري وابن السراج وابن عصفور وغيرهم.

منها خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً، وأربعة أحرف جُوْف وهي: الواو والياء والألف اللَّينَة والهمزة.

وسُــمِّـيَـتْ جـوفـاً؛ لأنـهـا تَـخْـرُجُ مـن الـجـوف فـلا تَـقَـعُ فـي مـدرجـة مـن مـدارج الـلِّـسـان، ولا مـن مـدارِج الـحَـلْـق، ولا مـن مـدرِج الـلَّـهَـاةِ، إنَّـمـا هـي هـاويـة فـي الـهـواء، فـلـم يـكـن لـهـا حَـيِّـزٌ تُـنـسـب إلـيته إلا الـجَـوْفَ.

وهذه الحروف هي:
أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ا ي

ستة حروف تُلحَقُ بالتسعة والعشرين

قـد يـلـحـق هـذه الـحـروفَ الـتـسـعـة والـعـشـريـن ســتّـةٌ أخــرى تـتـفـرّع مـنهـا، فـتـصـيـر خـمـســة وثــلاثـيـن حـرفـاً، فــهـذه الــســـتّـةُ فـصـيـحـةٌ يـؤخَـذ بـهـا فـي الـقـرآن وفـصـيـح الـكـلام، وهــي:

١ -النون الخفيفة، أو الخفيّة: ويقال لها الساكنة: التي هي غنة في الخيشوم، نحو: عَنْكَ، مِنْكَ.

٢ -الهمزة المخفّفة، وهي همزةُ بين بين: فهي الهمزة التي تُجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتُها، فإذا كانت مكسورة، كانت بين الهمزة وبين الياء، وإذا كانت مضمومة فهي بـيـن الـهـمـزة والـواو، وإذا كـانـت مـفـتـوحـة فـهـي بـيـن الـهـمـزة والألـف.

ومعنى (همزة بين بين) أي: همزة بين الهمزة وحرف اللين، وهو الحرف الذي منه حركتها إن كانت مفتوحة فهي بين الهمزة والألف، مثل: سأل: سَالَ، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء مثل: سئم: سَيِمَ، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو مثل: لؤم: لَومَ. وهي لا تقع أوَّلاً أبداً؛ لقربها بالضعف من السَّاكن إلا أنها وإن كانت قد قربت من الساكن، ولم يكن لها تمكن الهمزة المحققة، فهي متحركة في الحقيقة وسميت بين بين لضعفها.

٣ -ألفُ التفخيم: نحو الصلاة، فألف التفخيم أن يُنْحَى بها نحو الواو، فكتبوا: الصَّلاة والزّكاة والحياة بالواو على هذه اللغة.

٤ -ألفُ الإمالة أو المُمَالة: نحو عالم، ألف الإمالة، فتُسمّى ألفَ الترخيم؛ لأنّ الترخيم تليينُ الصوت، ونقصانُ الجهْر فيه، وهي بالضدّ من ألف التفخيم؛ لأنّك تنحو بها نحو الياء، وألفُ التفخيم تنحو بها نحو الواو.

٥ -الشــيـن الـتـي كـالـجـيـم: نـحـو أشــدق، فـالـشـيـن الـتـي كـالـجـيـم، فـقـولـك فـي أَشْــدَقُ: أَجْــدَقُ؛ لأن الـدال حــرفٌ مـجـهـورٌ شــديـدٌ، والـجـيـم مـجـهـورٌ شــديـدٌ، والشــيـن مـهـمـوسٌ رِخْــوٌ، فـهـي ضــدُّ الـــدال بـالـهـمـــس والـرخــاوة، فـــقـرّبـوهــا من لفظ الجيم؛ لأنّ الجيم قريبةٌ من مخرجها موافقةُ الدال في الشدّة والجهر.

٦ -الصاد التي كالزاي: نحو: السراط، الزراط، الصراط.

وإنّما كانت هذه الحروف فروعاً؛ لأنّهن الحروفُ التي ذكرناها لا غيرُهنّ، ولكن أُزلْن عن معتمَدهنّ، فتغيّرت جروسُهنّ.

ثمانية أحرف غير مستحسنة

ويتفرّع من الحروف التسعة والعشرين أيضاً ثمانية أحرف غير مستحسنة وهي:

١ -الكاف التي كالجيم: قال ابن دُرَيْد: هي لغةٌ في اليمن، يقولون في جَمَلٍ: كَمَل، وفي رَجُلٍ: رَكُل. وهــي فـي عَــوامِّ أهــل بـغـداد فـاشـــيـةٌ شــــبـيـهـةٌ بـالـلُّـثْـغـة.

٢ -الجيم التي كالكاف: وهما جميعاً شيءٌ واحدٌ، إلَّا أنّ أصل إحداهما الجيم، وأصل الأخرى الكاف، ثمّ يقلبونهما إلى هذا الحرف الذي بينهما.

٣ -الــجـيـم الـتـي كـالـشـــيـن: فـهـي تـكـثـر فـي الـجـيـم الـســـاكـنـة إذا كـان بـعـدهــا دالٌ أو تــاء، نـحـو قـولـهـم فـي: اجـتـمـعـوا، والأجــدر: اشـــتـمـعـوا، والأشـــدر، فـتـقـرب الـجـيـم مـن الـشـيـن؛ لأنّـهـمـا مـن مـخـرج واحــد، إلَّا أنّ الـشـيـن أبـيـنُ وأفـشـــى.

فإن قيل: فما الفرق بين الشين التي كالجيم حتى جُعلت في الحروف المستحسنة، وبين الجيم التي كالشين حتى جُعلت في الحروف المستهجنة؟

قيل: إِنّ الأوّل كُره فيه الجمعُ بين الشين والدال لِما بينهما من التباين الذي ذكرناه؛ وأمّا إذا كانت الجيم مقدّمة كالأجدر، واجتمعوا، فليس بين الجيم والدال من التنافي والتباعد ما بـيـن الـشــيـن والـدال؛ فـلـذلـك حَـسُـنَ الأوّل وضَـعُـفَ الـثـانـي.

٤ -الضاد الضعيفة: وهي من لغةِ قوم اعتاصت عليهم، فرُبما أخرجوها طاء، وذلك أنّهم يُخْرِجونها من طرف اللسان وأطرافِ الثنايا، وربّما راموا إخراجَها من مخرجها، فلم يَتَأَتَّ لهم، فخرجت بين الضاد والظاء.

٥ -الصاد التي كالسين: ومثالها قولهم في: صِبْغ: سبغ، وليس في حسنِ إبدالِ الصاد من السين؛ لأنّ الصاد أمضى في السمع من السين، وأصفرُ في الفم.

٦ -الطاء التي كالتاء: وأمّا الطاء التي كالتاء، فإِنَّها تُسْمَع من عَجَم أهل العراق كثيراً، نحو قولهم في طالب: تالب؛ لأنّ الطاء ليست من لغتهم، فإذا احتاجوا إلى النطق بشيء من العربيّة فيه طاءٌ، تكلّفوا ما ليس في لغتهم، فضعفُ لفظُهم بها.

٧ -الظاء التي كالثاء: ومثالُها قولهم في ظلم: ثلم.

٨ -الفاء التي كالباء: ومثال الفاء كالباء قولهم في بورٍ: فورٌ، وهي كثيرة في لغة الفُرْس.

فهذه حروفٌ مسترذَلةٌ غيرُ مأخوذ بها في القرآن العزيز، ولا في كلام فصيح.

وكأنّ الذين تكلّموا بهذه الحروف المسترذَلة قومٌ من العرب خالطوا العجمَ، فتكلّموا بلغاتهم.

من قال إن عدد الحروف ثمانية وعشرون

ذكرنا سابقاً شبه إجماع من العلماء على أن عدد الحروف العربية الأصول تسعة وعشرون، إلَّا المُبَرِّدَ فإنها عنده ثمانية وعشرون، أوَّلها الباء وآخرها الياء، ويُخرِجُ الهمزة من حروف المعجم، ويستدلُّ على ذلك بأنها لا تثبت على صورة واحدة. فكأنَّها عنده من قبيل الضبط، إذ لو كانت حرفاً من حروف المعجم لكان لها شكل واحد، لا تنتقل عنه كسائر حروف المعجم.

وقد رد على هذا الرأي ابن عصفور قائلاً:

وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس فاسد؛ لأنَّ الهمزة لو لم تكن حرفاً لكان أَخَذَ وأَكَلَ وأمثالهم على حرفين خاصَّةً؛ لأنَّ الهمزة ليست عنده حرفاً. وذلك باطل؛ لأن أقلُّ أصول الكلمة ثلاثة أحرف: فاء وعين ولام.

فأمَّا عدم استقرار صورتها على حال واحدة فسبب ذلك أنها كُتبت على حسب تسهيلها. ولولا ذلك لكانت على صورة واحدة وهي الألف. وممّا يدلُّ على ذلك أنَّ الموضع الذي لا تُسهَّل فيه تُكتب فيه ألفاً، بأيِّ حركة تحرَّكت؟ وذلك إذا كانت أوَّلاً، نحو: أَحمد وأُبلُم وإِثمد.

ملخص البحث

-الحروف العربية الأصول تسعة وعشرون حرفاً: قاله الخليل وسيبويه والزمخشري وابن السراج وابن عصفور وغيرهم.

-الحروف العربية ثمانية وعشرون: قاله المبرد.

-يلحق الحروف العربية ستة حروف مستحسنة، وثمانية مستقبحة.

المصادر والمراجع

  • الأصول في النحو لابن السراج: ٣/ ٣٩٩.
  • سر صناعة الإعراب لابن جني: ١/ ٦١.
  • شرح شافية ابن الحاجب للرضي: ٢/ ٩١٦ -٩٢٤.
  • شرح المفصل للزمخشري لابن يعيش: ٥/ ٥١٨ -٥٢١.
  • الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري: ١/ ٣٣.
  • العين للخليل: ١/ ٥٧.
  • الكتاب لسيبويه: ٤/ ٤٣١ -٤٣٢.
  • الكناش في فني النحو والصرف لأبي الفداء الحموي: ٢/ ٣١٠ -٣١١.
  • اللباب في علل البناء والإعراب لأبي البقاء العكبري: ٢/ ٤٦١.
  • المقتضب للمبرد: ١/ ١٩٢.
  • الممتع الكبير في التصريف لابن عصفور: ٤٢١.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى