الأشهر العربية

شهر جمادى الأولى: مثناه وجمعه وأسماؤه في الجاهلية

قالت العرب: جُمادى الأولى بضم الجيم.

قال الفراء: هكذا جاء عن العرب بضم الجيم لا غير، ولو جاء: جِماد، بالكسر كان صواباً، مثل قولك: عِطاش، وكِسال، وبالضم: جُمَادى، كعُطاشى، وكسالى؛ وبالفتح: جَمادى، مثل عَطاشى، وكَسالى.

وقال أيضاً: والشهور كلها مذكَّرة، تقول: هذا شهر كذا، إلا (جماديين) فإنهما مؤنثان؛ لأن (جمادى) جاءت على بِنية (فُعالى)، و(فعالى) لا تكون إلا للمؤنث. تقول: هذه جُمادى الأُولى، وهذه جمادى الآخرة.

قال أُحيحة بن الجُلاح:

إذا جمادى مَنعتْ قَطْرها …زان جَناني عَطَنٌ مُعْصِفُ

وأضاف: فإن سمعت تذكير جمادى في شعر فإنما يُذهب به إلى الشهر ويُترك لفظه.

وقال الزَّجَّاجُ: جمادى مؤنثة والتأنيث للاسم فإن ذُكِّرَتْ في شعر فإنما يقصد بها الشهر. وبه قال التستري. قال الفيومي: وهي غير مصروفة للتأنيث والعملية.

فإن قيل: لم لم يقل: شهر ربيع الثاني، وقيل: الآخر؛ وكذا جمادى الآخرة، ولم يقل: الثانية؛ كما يقال: السنة الأولى والثانية؟ فالجواب: إنه يقال الثاني والثانية لما له ثالثٌ وثالثةٌ، فلما لم يكن لهذين ثالثٌ ولا ثالثةٌ قيل فيهما: الآخر والآخرة، كما قيل: الدنيا والآخرة.

سبب تسمية جمادى الأولى بهذا الاسم

سمِّيت جُمادى لجمود الماء فيها؛ لأن الوقت الذي سمّيت فيه بذلك كان الماء فيه جامداً لشدّة البرد.

تثنية وجمع جمادى الأولى

ويقال: جُمادى؛ والتثنية: جُمادَيان الأوليان؛ والجمع: جُمادَيَات الأوليات.

قال قطرب: فجمعتَ بالتاءِ، لأنَّ فيه ألفَ التأنيثِ، مِثْلُ حُبَارَى وسُمانَى. فإذا قُلتَ: الأولى والآخِرة فعلى تأنيث جُمادَى.

فإذا جمعتَ جُمادى الأُولى قُلتَ: الجمادياتُ الأُوَلُ والأُخَرُ، لأنَّ الأَوَّلَ جمعُ الأولى مثلُ الصُّغْرَى والصُّغَر، والكُبرى والكُبَر، قالَ اللهُ عزَّ وجَلَّ: {إنَّها لإحدى الكُبَرِ} جمعُ الكبرى.

قال المرزوقي: (جمادى الأولى) وجماديان وجماديات وجماديا الأولى -وقالوا: الأوليين -وجماديات الأولى والأوّل والأوائل.

أسماء جمادى الأولى القديمة

الحَنِينُ وحَنينٌ والحُنَيْن والحننين

قال الفراء: ومن العرب من يسمي (جمادى الأولى) الحَنين، بفتح الحاء.

وبعضهم يقول: الحُنين، بضم الحاء. قال الشاعر:

وذو النَّحْبِ نُؤمِنه فيَقْضِي نُذورَه … لدَى البِيض من نِصف الحُنين المُقدَّرِ.

وبعضهم يقول الحننين.

حَنِينٌ، وصُرِفَ لأَنَّه عُنِي بِهِ الشَّهْرُ.

قال ابنُ الكلبي: كانت عاد تسمي جمادى الأولى ربى وجمادى الآخرة حَنِيناً.

قال المهلهل:

أتيتك في الحنين فقلت رنّى … وماذا بين رنى والحنين؟!

وقال:

وذو النّحب يؤويه فيوفي بنذره … إلى البيض من ذاك الحنين المعجّل

معنى الحنين:

قال أبو إسحاق: لأن الناس يَحِنُّونَ فيه إلى أوطانهم، قال القلقشندي: لكونه كان يقع في زمن الربيع.

تثنية وجمع الحنين:

قال الفراء: والتثنية: الحَنينان، والحُنينان. والجمع: حَنائن، وأَحِنة، وحُنون.

قال قطرب: وإنْ قُلتَ: الحُنُنُ للجمعِ الكثير فجائزٌ في القياسِ، مثلُ سريرٍ وسُرُرٍ، وجَدِيدٍ وجُدُدٍ، وقضيبٍ وقُضُبٍ.

شَيْبَان أو شِيبَانُ

وَيُسمى أَيْضاً شَيْبَان، وَقيل هُوَ كانُون الأولُ.

وَنقل الأَزهريُّ عَن عَمْرِو بن أَبي عَمرٍ و: شِيبَانُ، بِكَسْر الشين.

وقيل سمي بذلك: إِذَا ابْيَضَّت الأَرضُ من الصَّقِيع. وقيل: لبياض الثلج فيه.

رُبّاً أو رُبَّةُ ورُبَّى

قال ابنُ الكلبي: كانت عاد تسمي جمادى الأولى ربى وجمادى الآخرة حَنِيناً.

وَالْعَرَبُ تُسَمِّي جُمَادَى الأُولى رُبّاً ورُبَّى.

وَقَالَ كُرَاعٌ: رُبَّةُ ورُبَّى جَميعاً: جُمادَى الآخِرة، وإِنما كَانُوا يُسَمُّونَهَا بِذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

أسماء جمادى الأولى غير المشهورة

مُصْدِرٌ

قال الدّريدي: والمشهور أسماء غيرها بلغة العرب العاربة، وهم كانوا يسمّون جمادى الأولى: مصدراً.

وذكر أبو بكر محمد بن دريد الأزدي في كتابه الوشاح أن ثموداً كانوا يسمون الشهور بأسماء أخرى وهي هذه: مُصْدِرٌ. يعني جمادى الأولى.

وقال: أبو سهل عيسى بن يحيى في شعره: أنها من شهور ثمود. قال ابنُ سِيدَه: أُرَاها عادِيّة.

قلت: ربما يكون مشتقاً من المَصْدَر؛ الذي يصدر عنه شيء ما، والمعنى أنه يُصْدِرُ الماء اللازم للري لأنه شهر مطر وبرد وثلج. وفي الحديث: (كانت له رَكْوَةٌ تسمى الصادر)، سميت به لأنه يُصْدَرُ عنها بالرِّيِّ، ومنه: فأصدرنا رِكابنا. أي صُرِفْنَا رِوَاءً، فلم نحتج إلى الـمُقام بها للماء.

ويقال للذي يبتدئ أمراً ثم لا يُتِمُّه: فلان يُورِدُ ولا يُصْدِرُ. فإذا أتمَّه قيل: أوردَ وأصدرَ.

مُحْسِنٌ

اسمُ جُمادَى الأُولى، نقله الفيروزآبادي.

قلت: قد يكون مشتقاً من الإحسان، لأنه يأتي بالماء والثلج فسموه محسناً لأنه يحسن إلى أراضيهم، وهذا على سبيل المجاز.

حَنْتَم

أورده البيروني.

قلت: قد يكون على اسم (الحنتم) وهي السحائب السود، لأن السماء في ذلك الوقت تمتلئ بالسحائب السود المليئة بالمطر.

قَالَ طُفَيْل يَصِف سَحاباً:

لَهُ هَيْدَبٌ دَانٍ كَأَنَّ فُروجَه … فُوَيْقَ الحَصَى والأَرْضِ أَرفاضُ حَنْتَمِ

قَالَ الأزهريّ: قِيلَ للسَّحاب حَنْتم وحَناتم لامْتِلائِها من المَاءِ شُبِّهَت بحَنَاتِم الجِرارِ المَمْلُوءة.

زَبَّاء

قال البيروني: وقد توجد هذه الأسماء مخالفة لما أوردناه ومختلفة الترتيب كما نظمها أحد الشعراء في شعره فقال عن شهر جمادى الأولى: زَبَّاء.

والزباء: هي الداهية العظيمة المتكاثفة سمي لكثر القتال فيه وتكاثفه.

أسلخ

أورده المسعودي.

قلت: قد يكون اشتقاقه من واحد مما يلي:

١ –من سلخ النبات: وهو موسم ذهاب النبات بسبب البرد والثلج ثم عودته.

والنَّباتُ إِذا سَلَخَ ثمَّ عَاد فاخْضَرَّ كلُّه فَهُوَ سالِخٌ، من الحَمْض وغَيْره، وفِي الْمُحكم: سَلَخَ النَّباتُ: اخْضَرَّ بعد الهَيْج وعَادَ.

٢ –من سلخ البرد جلد الإنسان وسَلَّخَه، فانسَلَخَ وتَسَلَّخَ: أي كشطه؛ لأنه موسم البرد فتتأثر به الأبدان.

٣ –أو لأن فيه سحائب سود ماطرة فهو مشتق على المجاز من (السالخ) وهو اسمُ الأَسْوَدِ من الحَيَّاتِ شَديد السَّواد. قَالَ ابنُ بُزُرْج: ذَلِك أَسودُ سالِخاً، جعلَه معرفَة ابْتِدَاء من غَير مسأَلَةٍ. وأَسودُ سالخٌ، غيرَ مُضَافٍ، لأَنّه يَسْلَخ جِلْدَه كلّ سَنَةٍ.

والله أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى