الأشهر العربية

شهر صفر

-قالَ ثعلبٌ: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَصْرِفونَ صَفَراً إلَّا أبا عبيدةَ فإنَّهُ قالَ لا يَنْصِرِفُ، فَقِيلَ لَهُ لِمَ لا تَصْرِفُهُ؟ فقالَ: لأنَّ النَّحويِّينَ قدْ أجمعُوا على صَرْفِهِ. وقالُوا لأبي عبيدةَ: لا يَمْنَعُ الحَرْفَ مِنَ الصَّرْفِ إلَّا عِلتَّانِ فأَخْبِرْنَا بالعِلَّتَيْنِ فيهِ حتَّى نَتَّبِعَكَ، فقالَ: نَعَمْ، العِلَّتانِ المَعْرِفةُ والسَّاعةُ. قالَ أبو عُمَرَ: أرادَ أنَّ الأَزْمِنَةَ كُلَّهَا ساعاتٌ والسَّاعَاتُ مُؤَنَثَّةٌ.

ما معنى صفرٍ؟

فيهِ أقوالٌ:

١ –سُمِّيَ صفراً؛ لأنَّ العربَ كانُوا يغزونَ فيهِ الصَّفَريَّةَ، وهيَ مواضعُ كانُوا يمتارونَ الطَّعامَ مِنْهَا، أوردَهُ الفرَّاءُ وابنُ سيده والمرزوقيُّ والقلقشنديُّ والبيرونيُّ.

قالَ الخليلُ: والصَّفَريَّةُ: زمانٌ بينَ الخريفِ والوَسْميِّ.

قالَ ثعلبٌ: وكانَ صفرٌ شهرَ جَدْبٍ، تَصْفُرُ فيهِ المياهِ، ويرتحلونَ فيهِ إِلَى المِيرةِ. وتلكَ الميرةُ تسمَّى الصَّفريَّةَ. فيمنعُهُمْ ذلِكَ عنِ الغارةِ.

٢ -وقالَ بعضُهُمْ: إنَّمَا سُمِّيَ صفراً؛ لإصفارِهِمْ مكَّةَ مِنْ أهلِهَا إذا سافرُوا، أوردَهُ الفرَّاءُ وابنُ سيده.

فعلى هذا الصَّفريَّةُ: سَفْرةٌ لهُمْ كانُوا يسافرونَهَا.

-وسُمِّيَ صفرٌ؛ لأنَّهُمْ كانُوا يخرجونَ فيهِ إلى المغاراتِ، فتبقى بيوتُهُمْ صِفراً، قال ثعلبٌ: هذا أصحُّ ما قيلِ فيهِ.

والصُّفرُ بالضَّمِّ مِنَ النُّحاسِ … ومنزلٌ صِفرٌ بلا أُناسِ

وكلُّ خالٍ أيُّ شيءٍ كانا … فذاكَ صِفرٌ فاستفدْ بيانَا

٣ -وقيلَ: لأنَّهُمْ كانَتْ أوطانُهُمْ تخلو مِنَ الألبانِ، ومِنْ كلامِهِمْ: نعوذُ باللَّهِ مِنْ صَفْرَ الإناءِ وقرعَ الفناءِ، أوردَهُ المرزوقيُّ، ويقالُ: صفرَتْ عيبةُ الوُّدِّ مِنْ فلانٍ؛ أي خَلَتْ، قالَ شعراً:

وإذْ صفرَتْ عيابُ الودِّ منكْمْ … ولمْ يكُ بينَنَا فيهَا ذمامُ

ويقالُ: قدْ صَفَرَ الرَّجلُ يَصْفِر صَفِيراً، وقدْ صَفِر الإناءُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ، والوَطْبُ مِنَ اللَّبنِ، يَصْفَرُ صَفَراً.

إنَاءٌ صُفْرٌ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ. عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الفَرَّاءِ.

٤ -ورُوِيَ عنْ رُؤْبَةَ أنَّهُ قالَ: سَمَّوُا الشَّهَرَ صَفَراً؛ لأنَّهُمْ كانُوا يَغْزُونَ فيهِ القَبائِلَ فيَتْرُكونَ مَنْ لَقُوا صِفْراً مِنَ المتاعِ، أوردَهُ ابنُ سيده.

قالَ ابنُ السِّكِّيتِ: والصِّفرُ: الخالي؛ يقالُ: بيتٌ صِفْرٌ مِنَ المتاعِ.

والصِّفرُ: الشَّيءُ الخالي، يقاُل: صَفِرَ يصفَرُ صَفَراً وصُفُوراً فهوَ صِفْرٌ صَحْرٌ، والجميعُ والواحدُ والذَّكرُ والأنثى فيهٍ سواءٌ.

5 -سُمِّيَ صفراً؛ لأنَّهُ كانَتْ تَصْفَرُّ فيهِ الأشجارُ.

-ويقالُ: الصَّفرُ تأْخيرُهُمْ تحريمَ المحرَّمِ إِلى صَفَرٍ.

مثنَّى صفرٍ وجمعُهُ

التَّثنيةُ: الصّفَرانِ، والجمعُ: أصْفارٌ، على أفعالٍ، كمَا قُلتَ في أَحَدٍ: ثلاثةُ آحادٍ، لأَنَّهُ (فَعَلٌ) مِثْلُهُ، قالَهُ اللَّيثُ والفرَّاءُ وقطربٌ وغيرُهُمْ.

قالَ النَّحاسُ ووافقَهُ القلقشنديُّ: صفرٌ صفراتٌ، وفي جمعِ التكسيرِ: أصفارٌ، والكثيرُ: صفورٌ وصفارٌ.

قالَ النَّابِغةُ:

لَقَدْ نَهَيْتُ بني ذُبْيانَ عنْ أُقُرٍ … وعَنْ تَرَبُّعِهِم في كُلِّ أَصْفارِ

أسماءُ صفرٍ لدى العربِ العاربةِ

العربُ العاربةُ همْ قومُ عادٍ أو ثمودَ، وقدْ وردَتْ لشهرِ صفرٍ في كتبِ العربِ أسماءٌ مشهورةٌ وأخرى غيرُ مشهورةٍ، أمَّا الاسمُ المشهورُ فهوَ:

ناجِرٌ

أوردَهُ الفرَّاءُ وغيرُهُ، وفي معنى الاسمِ أقوالٌ:

١ -وصفرٌ ناجرٌ: يكونُ مشتقّاً مِنْ أشياءَ قدْ جاءَتْ في اللُّغةِ، يقالُ للأصلِ: نجرٌ ونِجَارٌ ونُجَارٌ، فيقالُ لَهُ: ناجرٌ، أي: هوَ أصلُ الحربِ، أي: تبتدأُ فيهِ بعدَ المحرَّمِ، أوردَهُ النَّحَّاسُ والقلقشنديُّ.

وأضافَ المرزوقيُّ: ومِنْهُ قيلَ لجادَّةِ الطَّريقِ: المَنْجَرُ. قالَ: ركبْتُ مِنْ قصدِ الطِّريقِ مَنْجَرَهُ.

٢ -ويجوزُ أنْ يكونَ مشتقّاً ممَّا روى أبو عمروٍ قالَ: النَّجْرُ السَّوقُ الشَّديدُ، نجرَهَا ينجُرُهَا نجراً، فهوَ مُنْجِرٌ، فسُمِّي ناجراً لشدَّةِ سوقِهِمُ الخيلَ إلى الحربِ فيهِ، أوردَهُ النَّحَّاسُ والقلقشنديُّ.

أو لأنَّ الإبلَ تَنْجَرُ فيهِ، أي: يشتدُّ عطشُهَا حتَّى تيبسَ جُلودُهَا، قالَهُ الخليلُ.

قالَ الخليلُ: ونَجَرَتِ الإبلُ فهي نجرى ونجارى.

قالَ الجوهريُّ: ومنْهُ شهرُ ناجِرٍ، وهوَ كلُّ شهرٍ في صميمِ الحرِّ، لأنَّ الإبلَ تَنْجَرُ في ذلِكَ الشَّهرِ.

٣ -ويجوزُ أنْ يكونَ مشتقّاً مِنَ النَّجرِ، وهوَ شدَّةُ الحرِّ لشدَّةِ حرارةِ الحربِ والحديدِ فيهِ، أوردَهُ النَّحَّاسُ والقلقشنديُّ.

وأضافَ المرزوقيُّ: ومِنْهُ قولُ الشَّاعرِ:

كلُّ نِجَارِ إبلٍ نِجارُها … ونارُ إبْلِ العالَمِينَ نارُها

قالَ ابنُ دريدٍ: ونجرَ الرَّجلُ ينجرُ نجراً؛ إِذا شرِبَ المَاءَ فَلمْ يروَ. وَمِنْهُ سمِّيَ شهرُ ناجرٍ، وَهُوَ أَشدُّ مَا يكونُ مِنَ الْحرِّ، وَظنَّ قومٌ أَنَّهُمَا حزيرانُ وتمُّوزُ وَهَذَا غلطٌ، إِنَّمَا هُوَ وَقتُ طُلُوعِ نجمينِ مِنْ نُجُومِ القيظِ.

قالَ الشَّاعرُ:

صري آسنٌ يَزْوي له المرء وجهَه … ولو ذاقه الظمآن في شهر ناجِر

تثنيةُ ناجرٍ وجمعُهُ:

والتَّثنيةُ: ناجرانِ، والجمعُ: نواجرُ.

قالَ النَّحَّاسُ: وإنْ جمعْتَ ناجراً قلْتَ: نواجرَ؛ لأنَّ فاعلاً إذا كانَ اسماً غيرَ نعتٍ جُمِعَ على فواعلَ. وإن كان نعتاً لمؤنَّثٍ جُمِعَ على فواعلَ، وفي المذكَّرِ بابُهُ فعل وفعالٌ.

قالَ قطربٌ: مثلُ حائطٍ وحوائطُ.

-قالَ الشَّاعرُ:

صَبَحْناهُمُ كَأْسَاً مِنَ المَوتِ مُرَّةً … بناجِرَ حتَّى اشتدَّ حَرُّ الوَدائقِ

وقالَ بَعضُهُمْ: إِنَّمَا هُوَ: ناجَرٌ، بِفَتْحِ الْجِيمِ.

-وقالَ الكميتُ:

قطعَ التَّنائفَ عائداً بِكَ … في وديقةِ شهرِ ناجرِ

أسماءٌ غيرُ مشهورةٍ لشهرِ صفرٍ

مُوجِزٌ

قالَ الدُّريديُّ: والمشهورُ أسماءٌ غيرُهَا بلغةِ العربِ العاربةِ، وهمْ كانُوا يسمُّونَ (صفراً) موجِزاً.

قالَ ابنُ سيده: ومُوجِزٌ: مِنْ أسماءِ صفَرَ، قَالَ ابنُ سِيده: أَراهَا عادِيَّةً.

ونقلَ البيرونيُّ في كتابِهِ الآثارُ الباقيةُ عنِ القرونِ الخاليةِ: ذكرَ أبو محمَّدِ بنِ دريدٍ الأزديُّ في كتابِهِ الوشاحُ أنَّ ثمودَ كانُوا يسمُّونَ الشُّهورَ بأسماءٍ أخرَ وهيَ هذهِ: موجِزٌ وهوَ صفرٌ.

-قلْتُ: قدْ يكونُ مشتقّاً مِنَ الوَجْزُ: وهوَ الْبَعِير السَّريعُ، لاستخدامِهُمُ البعيرَ أثناءَ حربِهِمْ.

وقدْ يكونُ مشتقّاً مِنَ الوَجْزُ: وهوَ الرَّجلُ السَّريعُ الحرَكةِ فِيمَا أَخذَ فِيهِ، لكونِهِمْ يسرعونَ في حربِهِمْ بعدَ انقضاءِ شهرِ المحرَّمِ.

ثقيلٌ

نقلَهٌ المسعوديُّ.

قلْتُ: قدْ يكونُ مشتقّاً مِنَ الثَّقَلُ: وهوَ مَتاعُ المُسافِرِ وحَشَمُهُ، يُقاُل: ارتَحلُوا بِثَقَلَتهِمْ، أَي بأَثْقالِهِمْ وأَمْتِعَتِهِمْ كُلِّهَا، ذلِكَ أنَّهُمْ كانُوا يرتحلونَ فيهِ إلى مناطقِ الصَّفريَّةِ معَ متاعِهِمْ ليمتارُوا الطَّعامَ.

واللَّهُ تعالى أعلمُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى