مقالات لغوية

الصَّوتُ إحساسٌ ولُغة

بقلم: محمد رضوان.

الإلقاء: “هو فن إيصال المعنى للمتلقي”.

تعاريفُ الإلقاء كثيرة ولكنَّهُ المعنى الذي علّمني إياه أساتذتي في الأداء الصّوتي، ولم أجد أعذبَ منه بعدُ!

صديقي القارئ: إني أُشبِّهُ لك الإلقاء بالسَّفينة وقد عجزتُ أن أجد له وصفًا أكثرَ دقة، لكن ماذا لو فقدت الأخيرة قرينتها؟ -والقرينة أول جزء يُبنى في السفينة-، بالتأكيد ستغرقُ برسالتها ولن تصل إلى شاطئها، الشاطئ الذي أردتَ لرسالتك أن تُنزل أشرعتها عليه أيها المؤدّي (أُذُنُ المتلقي وقلبه)..

كثيرون من رواد التواصل الاجتماعي أفقدوا الإلقاء قيمته وهي “إيصال المعنى للمتلقي”، فلا لغةٌ صحيحةٌ ينطقون بها، ولا إحساسٌ يُناسبُ كلماتهم…

تجدهم يرفعون المجرور ويجرّون المرفوع فيصعقونَ آذاننا كما تفعلُ الكهرباء، ولعلّ المثال الذي حضر إلى مخيلتي الآن هو دعاء الداعي: “وكلتُ أمري إليك يا الله فبشّرني بما أريد وبما اخترتُهُ لي خيرًا”. لقد انتزعَ الحُكمَ من الفتحة ظُلمًا ومنحَهُ للضمّة ونصّبها ملكةً على تاء اخترتَهُ، فأصبحَ من يختارُ لنفسه الخير، -والعياذ بالله-، وأرجو من فريق تحرير الموقع تضليل الكلمة الخاطئة كي يسهل على الرائي لحظُها.

الأمثلةُ على الأخطاء اللّفظيّة تعدُّ ولا تُحصى ومن الخطأ قولهم: “لا تُعدُّ ولا تُحصى”. فنحن نستطيعُ عدّها والعدُّ يختلفُ عن الإحصاء، سأغيّر الموضوع؛ لأنني بدأتُ أشعر أنني في حصّةٍ للرياضيات التي أمقُتُها.. تشبّثوا يا رفاق! التِفافَةٌ سريعةٌ بدفّة سفينتي لأعود بكم إلى مسارنا الصحيح وهو الإلقاء، كما رأيتم فعنوانُ مقالتي هذه “الصُّوتُ إحساسٌ ولُغة”، فمع اللُّغة سليمةِ الحركات نضمنُ الجزء الأهم من وصول رسالتنا، ولكن مع عدم إغفالنا لجانبِ الإحساس، والإحساسُ هو ذلك الهواء الذي يدفعُ أشرعةَ السفينة، ليساعدها على الوصول إلى وجهتها (أذن المتلقي وقلبه). -أرجو ألا يَقرأ كلامي هذا طبيب، فيترك الموضوع الأساسي وينشغل بقوله إنَّ القلب عضلة لضخ الدم-. فالإحساسُ يُداعبُ الكلمة ذات اللّغة السليمة، لتستقرّ بجمالها في أُذن المتلقي، وعليك صديقي: (المعلّق، المُمثّل، المذيع، المتكلّم، المتحدّث، الملقي، المحاضر، المعلّم…). أن تُلبس كل كلمة لباسها لتظهرها بأبهى حلّة وبأجود صورة، فالكلمة صورة خلّابة، يراها السامع بأذنه قبل أن يسمعها إذا ما أخرجتَها كما تُحبُّ هي أن تخرُج.

أَغمضْ عينيك وتخيّل أننا نستمعُ إليك الآن، أشْعِرْنَا بالسعادة بصوتك وانفثِ الحماسةَ في نفوسنا، دعنا معك نبكي، وأنت تتألّم وتشكي، عليك أن تُشعرنا بالسرعة والبطء، بالبرد والحرّ، بالغضبِ واللّين، وبالندم أو الحسرة، التي أرجو من الله أن تبقى بعيدةً عنك، لكننا -قومَ المستمعين- نُريدُ منك أن تتبناها  -إن وُجدت في النص-، لكي تأخذنا في رحلةٍ خياليّة يكون صوتُك قبطانَها، وإحساسُك شراعها.

أرجو أن تكون سفينتي قد وصلت إليك!

  مُحَمَّد رِضوان.

زر الذهاب إلى الأعلى