علم المعاني

طرفا الكلام: المسند والمسند إليه

يقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني: “مُخْتَصَرُ كُلِّ أَمْرٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَلَامٌ مِنْ جُزْءٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُسْنَدٍ إِلَيهِ وَمُسْنَدٍ”.

هذه حقيقة الحقائق التي يعيها كل عاقل؛ فلكل كلام تام طرفان: المسند والمسند إليه.

تقول: محمد صادقٌ، فيكون (محمد) مسنداً إليه، و(صادق) مسنداً.

وتقول: جاء الضيف، فيكون (الضيف) مسنداً إليه، و(جاء) مسنداً.

وتقول: اقرأ يا زيد، فيكون (الفاعل الضمير المستتر أنت) مسنداً إليه، و(اقرأ) مسنداً.

هذا ويسمي البلاغيون المُثْبَتَ له (مسنداً إليه) أو (مُحَدَّثاً عنه)، ويسمون المُثْبَتَ (مسنداً) أو (حديثاً).

النسبة بين المسند والمسند إليه

في الأمثلة المتقدمة لا بد من وجود رابط يربط بين طرفي الكلام التام. وهذا الرابطُ يسمى (النِّسْبَةَ)؛ أي نسبة شيء إلى شيء آخر.

ففي المثال الأول نسبنا الصدق إلى محمد، وفي المثال الثاني نسبنا المجيء إلى الضيف، وفي المثال الثالث نسبنا القراءة إلى زيد على جهة طلبنا قيامه بها.

وَالنِّسْبَةُ هِيَ: تَعَلُّقُ أَحَدِ الطَّرَفَينِ بِالْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ بِهِ عَلَيهِ إِيجَاباً أَو سَلْباً، أَو عَلَى سَبِيلِ الطَّلَبِ.

إذا أدركنا هذا نقول: إن هذه النسبة على ثلاثة أنواع من حيث الجهة التي توجد فيها:

١ -النسبة الكلامية: وهي تَعَلُّقُ أحد الطرفين بالآخر تعلقاً نفهمه من الصيغة الكلامية، أو هي مُؤَدَّى الكلام أو معنى الكلام.

٢ –النسبة الذهنية: وهي تعلق أحد الطرفين بالآخر تعلقاً يقوم في ذهن المتكلم، أو هي التصور الذهني للمتكلم حول تعلق أحد الطرفين بالآخر.

٣ -النسبة الخارجية: وهي تعلق أحد الطرفين بالآخر تعلقاً قائماً في الخارج.

بيان ذلك أن قولنا: (الشجرة مزهرة).

يتضمن ثلاثة أنوع النسبة المشار إليها، وهي:

-نسبة كلامية تتمثل في معنى إزهار الشجرة، أو نسبة الإزهار إلى الشجرة، التي فهمناها من هذا القول أو هذه الجملة.

-نسبة ذهنية تتمثل في تصور إزهار الشجرة، أو نسبة الإزهار إلى الشجرة، تلك النسبة القائمة في ذهن المتكلم أو تصوره.

-نسبة خارجية تتمثل في إزهار الشجرة الحادث في الواقع العِيَانِيِّ المُشَاهَدِ.

تقسيم الكلام تبعاً للنسبة إلى خبر وإنشاء

الكلام تبعاً لنسبته نوعان:

الأول: ما له نسبة خارجية أو صورة واقعية يمكن أن يتعرفها الآخرون؛ أي ذلك الكلام الذي له واقع يحاكيه، وصوره، ويتحدث عنه، ويسمى هذا الكلام (خبراً)؛ لأن المتكلم في هذا الضرب من الكلام يُخْبِرُ بشيء له وجود خارجي.

الثاني: ما ليس له نسبة خارجية أو صورة واقعية يمكن أن يتعرفها الآخرون؛ أي ذلك الكلام الذي لا واقع له يحاكيه. ويسمى هذا الكلام (إنشاء)؛ لأن المتكلم يبتدئه ابتداءً، أو ينشئ معناه بلفظ من عنده، ولا يصور فيه شيئاً له وجود خارجي.

وابتغاء مزيد من الإيضاح إليك القول في:

الفروق الأساسية بين الخبر والإنشاء

١ –الخبر قولٌ يحتمل الصدق والكذب لذاته؛ لأنه صيغة كلامية تحكي نسبة حاصلة في الواقع أو غير حاصلة.

فقول المتكلم: (الشجرة مزهرة) يحتمل أن يكون صدقاً؛ وذلك حين تكون الشجرة المَعْنِيَّةُ مزهرة حقيقة في الواقع المُعَايَنِ. ويحتمل أن يكون كذباً؛ وذلك حين تكون الشجرة المعنية غير مزهرة في الواقع المعاين.

وكل الأخبار تحتمل الصدق والكذب لذاتها إلا قول الله عز وجل، وقول الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

ومن ذلك قولنا: السماء صافية، والليلة مقمرة، والوطن عزيز، وجاء الحق، وزهق الباطل، واتحد العرب.

أما الإنشاء فقول لا يحتمل الصدق والكذب لذاته؛ لأنه صيغة كلامية لا تحكي نسبة خارجية، بل هو إنشاءُ معنىً بلفظٍ يقاربه في الوجود.

فقولنا: (ادرس يا زيد) إنشاء، يعني: طلب الدراسة من زيد. وهو أمر لا يحتمل الصدق والكذب؛ لأنه ليس له نسبة خارجية تطابقه أو لا تطابقه.

٢ –حصول معنى الخبر لا يتوقف على النطق به؛ فمعنى قولك: (زيد ناجح)، وهو نسبة النجاح إلى زيد، حاصل سواء أنطقت بهذا الخبر أم لم تنطق به.

أما حصول الإنشاء فمتوقف على النطق به؛ فمعنى قولك: (ادرس يا زيد)، وهو طلب حصول الدراسة منه، متوقف على النطق بهذا الطلب.

٣ –مدلول الخبر يراد به أن يكون حكاية عن أمر حاصل في الواقع، أو يراد منه مطابقة النسبة الكلامية للنسبة الخارجية، فقولنا: (السماء صافية) خبر يراد منه أن يحكي أمراً حاصلاً في الواقع وهو صفاء السماء.

أما مدلول الإنشاء فيراد به إيجاد أمر لم يحصل، أو إنشاء معنى بلفظ يقاربه في الوجود؛ فقولك: (هل رأيت زيداً؟) إنشاء لا يراد منه حكاية لرؤية حاصلة منك لزيد، بل المراد به طلب إحداث مدلوله؛ أي الاستفهام عن الرؤية: هل حصلت منك لزيد.

وفي المجمل نقول:

النِّسَبُ الخبرية حاكية لأمر حاصل في الواقع، والنسب الإنشائية مُوجِدةٌ لمعناها بألفاظها.

سؤالات وإجاباتها حول الطرفين والنسبة

حدد طرفي الإسناد، والنسبة بينهما بأنواعها الثلاثة في العبارات الآتية:

١ –قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}.

الإجابة: الطرفان هما: محمد ورسول الله. وتَعَلُّقُ الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم هو النسبة. وهذا التعلق، تبعاً لفهمه من الكلام، هو نسبة كلامية، وتبعاً لقيامه في ذهن المتكلم هو نسبة ذهنية، وتبعاً لحصوله في الخارج هو نسبة خارجية.

٢ –قوله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}.

الإجابة: الطرفان هما: محمد عليه الصلاة والسلام، والأبوة. وتعلق الأبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم من حيث سَلْبُهَا عنه هو النسبة. وهو تبعاً لفهمه من الكلام نسبة كلامية، وتبعاً لحضوره في الذهن نسبة ذهنية، وتبعاً لحصوله في الخارج نسبة خارجية.

٣ –تَكَلَّمْ يا غلامُ.

الإجابة: الطرفان هما: التكلم، والفاعل الضمير المستتر (أنت). وتعلق التكلم بالفاعل من حيثُ طلَبُه منه هو النسبة. وهو تبعاً لفهمه من الكلام نسبة كلامية، وتبعاً لقيامه في ذهن المتكلم نسبة ذهنية، وتبعاً لقيامه في نفس المتكلم نسبة خارجية.

٤ –لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله.

الإجابة: الطرفان هما: لا تنه، والفاعل الضمير المستتر (أنت). وتعلق النهي بالفاعل من حيث طلبُ عدم حصوله منه هو النسبة. وهذا التعلق تبعاً لفهمه من الكلام نسبة كلامية، وتبعاً لحضوره في ذهن المتكلم نسبة ذهنية، وتبعاً لقيامه في نفس المتكلم واتصافها به نسبة خارجية.

٥ –قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.

الإجابة: الطرفان هما: أتاك، وحديث الغاشية. وتعلق الإتيان بحديث الغاشية من حيث طلبُ فهم حصوله منه هو النسبة. وهو تبعاً لفهمه من الكلام نسبة كلامية، وتبعاً لحضوره في ذهن المتكلم نسبة ذهنية، وتبعاً لقيامه في نفس المتكلم واتصافها به نسبة خارجية.

٦ –ليت الشباب يعود يوماً.

الإجابة: الطرفان هنا: الشباب، ويعود. وتعلق العودة بالشباب من حيث طلبُ حصولها على جهة التمني هو النسبة. وهو تبعاً لفهمه من الكلام نسبة كلامية، وتبعاً لحضوره في ذهن المتكلم نسبة ذهنية، وتبعاً لقيامه في نفس المتكلم نسبة خارجية.

سؤالات وإجاباتها حول الجمل الخبرية والإنشائية

-حدد في العبارات الآتية الجمل الخبرية والجمل الإنشائية مع بيان المسند إليه والمسند في كل منها:

-لا تكن صُلباً فتكسرَ.

الإجابة: هذه الجملة إنشائية، والمسند إليه فيها هو اسم كان الضمير المستتر (أنت)، والمسند هو الفعل الناقص (كان).

-إن للشباب نشوةً.

الإجابة: هذه الجملة خبرية، المسند إليه فيها اسم إن المؤخر (نشوة)، والمسند خبرها (متعلق الجار).

-إن الشبابَ جُنونٌ بُرْؤُهُ الكِبَرُ.

الإجابة: هاتان الجملتان خبريتان، المسند إليه فيهما هو (الشباب –برؤه)، والمسند هو (جنون –الكبر) على التوالي.

-لا يُغلَبُ مَنْ كانَ اللَّهُ معه.

الإجابة: جملة خبرية، المسند إليه فيها هو نائب الفاعل (مَنْ)، والمسند هو الفعل (يغلب).

-لا تصاحب الأشرار.

الإجابة: جملة إنشائية، المسند إليه فيها هو ضمير الفاعل (أنت)، والمسند هو الفعل (تصاحب).

-صبراً جميلاً.

الإجابة: جملة إنشائية، المسند إليه فيها هو الضمير المستتر في صبراً، وتقديره (أنت)، والمسند (صبراً).

-شتان ما بين زيد وأخيه.

الإجابة: جملة خبرية، المسند إليه فيها هو الفاعل وهو لفظ (ما)، والمسند هو (شتان).

-أحسِنْ إلى الناس.

الإجابة: الجملة إنشائية، المسند إليه فيها الضمير المستتر في الفعل (أحسن) وهو (أنت)، والمسند الفعل (أحسن).

-هل قابلتَ صديقك؟

الإجابة: جملة إنشائية، المسند إليه فيها التاء في (قابلت)، والمسند الفعل (قابل).

-الصبر جميل.

الإجابة: جملة خبرية، المسند إليه فيها المبتدأ (الصبر)، والمسند هو الخبر (جميل).

زر الذهاب إلى الأعلى