فروق نحوية

ما الفرق بين ما وماذا؟

سألني كثير من طلاب العلم عن الفرق بين ما وماذا، فأحببت أن أشارككم المعلومات من كتب اللغة العربية.

هُمَا كلمتانِ يستفهمُ بِهِمَا عنْ غيرِ العاقلِ.

ما الاستفهاميَّةُ

ومعناهَا (أيُّ شيءٍ) وهيَ الَّتي يُستفهمُ بِهَا عنْ أيِّ شيءٍ، كقولِهِ تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}، و{مَا هِيَ}، و{مَا لَونُهَا}.

-وتُستعملُ للسُّؤالِ عنْ غيرِ العاقلِ وأجناسِهِ وصفاتِهِ، نحوُ: ما عندَكَ؟ وما في الدَّارِ؟

وكقولِهِ تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}

وللسُّؤالِ عنْ صفاتِ العاقلِ، نحوُ: ما زيدٌ؟ فتقولُ: طالبٌ أو طويلٌ.

-ويُطلبُ بِهَا شرحُ الاسمِ، نحوُ: ما المربَّعُ، وما المثلَّثُ؟

-أو يُطلبُ بِهَا شرحُ حقيقةِ المسمَّى، نحوُ: ما النَّجاحُ؟ وما الدِّراسةُ؟ وما تَعملُ؟

قالَ تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}، {قَالَ فِرْعَونُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فهذا سؤالٌ عنْ حقيقتِهِ سبحانَهُ وتعالى.

ماذا الاستفهاميَّةُ

مؤلَّفةٌ مِنْ (ما) و(ذا) وهيَ على أوجهٍ:

١ –أنْ تكونَ معَ (ذا) الإشاريَّةِ؛ فهيَ اسمُ إشارةٍ، نحوُ: ماذا الطَّعامُ؟ والمعنى: ما هذا الطَّعامُ؟

٢ –أنْ تكونَ معَ (ذا) الموصولةِ؛ فهيَ اسمٌ موصولٌ، نحوُ: ماذا تقولُهُ؟ والمعنى: ما الَّذي تقولُهُ؟

ونحوُ قولِ الشَّاعرِ:

مَاذَا تَقُولُ لِأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَخٍ … زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لَا مَاءٌ وَلَا شَجَرُ

وكقولِ لبيدٍ:

أَلَا تَسْأَلَانِ الْمَرْءَ مَاَذا يُحَاوِلُ … أَنَحْبٌ فَيَقْضِي أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ

٣ –أنْ تكونَ (ما) معَ (ذا) مركَّبةً تركيباً نشأَ عنْهُ (ماذا) الاستفهاميَّةُ، كقولِهِ تعالى: {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ}.

وكقولِ جريرٍ:

يَا خُزْرَ تَغْلِبَ مَاذَا بَالُ نْسَوَتِكُمْ … لَا يَسْتَفِقْنَ إِلَى الدَّيْرَينِ تَحْتَانَا

٤ –أنْ يحصلَ مِنْ تركيبِ (ما) معَ (ذا) اسمٌ جنسٍ بمعنى شيءٍ، أو اسمٌ موصولٌ بمعنى (الَّذي)، كقولِ الشَّاعرِ:

دَعِي مَاذَا عَلِمْتِ سَأَتَّقِيهِ … وَلَكِنْ بِالْمُغَيَّبِ نَبِّئِينِي

وفيهَا خلافٌ هنا؛ فهيِ إمَّا مفعولٌ بِهِ للفعلِ دَعِي، أو اسمٌ موصولٌ بمعنى الَّذي في محلِّ نصبٍ مفعولٌ بِهِ، وقيلَ هيَ نكرةٌ بمعنى شيءٍ، فهيَ صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ تقديرُهُ: دَعي شيئاً معلوماً، أو هيَ نكرةٌ مبنيَّةٌ على السُّكونِ في محلِّ نصبٍ.

بعضُ الفروقِ بينَهُمَا

جاءَ في معاني النَّحوِ للدُّكتورِ فاضلٍ السَّامرَّائيِّ:

١ –ذا تفيدُ التَّنصيصَ على الاستفهامِ فيمَا يحتملُ الاستفهامَ وغيرَهُ، وذلِكَ كقولِهِ تعالى: {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، فإنَّ (ذا) أفادَتِ التَّنصيصَ على الاستفهامِ ولو حُذِفَتْ لاحتملَ المعنى الاستفهامَ والموصوليَّةَ، أي فأروني الَّذي خَلَقَهُ الَّذينَ مِنْ دُونِهِ، ألا ترى أنَّكَ إذا قُلْتَ، (أنا أعلمُ ما تريدُ) يحتملُ الخبرَ والاستفهامَ، ولو قُلْتَ (ماذا) أفادَكَ الاستفهامَ نصّاً؟

٢ -إنَّ في (ماذا) قوَّةً ومبالغةً في الاستفهامِ، ليسَتْ في (ما)؛ ففي قولِنَا (ماذا فعلْتَ) قوَّةٌ ليسَتْ في (ما فعلْتَ)؟ ولعلَّ ذلِكَ يعودُ إلى زيادةِ حروفِهَا.

قالَ تعالى: {يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} فجاءَ بـ (ماذا)، وهذا يدلُّ على المبالغةِ في الاستفهامِ ولذلِكَ، واللَّهُ أعلمُ، كرَّرَ السُّؤالَ مرَّتينِ، فقالَ: {يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيرٍ فَلِلْوَالِدَينِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، ثُمَّ قالَ: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونُ}، فمرَّةً أجابَ عنِ السُّؤالِ ببيانِ أوجهِ الاتِّفاقِ المشروعةِ، ومرَّةً أجابَ عنْهُ بنوعِ المالِ الَّذي يُنفَقُ، فكرَّرَ السُّؤالَ مرَّتينِ، وأجابَ عنْهَ مرَّتينِ لأهمِّيَّةِ السُّؤالِ، ولذا جاءَ بِهِ بـ (ماذا) بدلَ (ما).

ونحوُهُ قولُهُ تعالى على لسانِ فرعونَ بعدَ أنْ عجزَ عنْ مواجهةِ موسى عليهِ السَّلامُ بالحُجَّةِ فقالَ: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}، فجاءَ بـ (ماذا) للدَّلالةِ على المبالغةِ في الاستفهامِ، وذلِكَ لأنَّ الموقفَ يتطلَّبُ جواباً يُخَلِّصُهُ مِنْ مواجهةِ موسى وتحدِّيَهُ، فإنَّ موسى يَهُدُّ أُلوهيَّةَ فرعونَ وتجبُّرَهُ، بخلافِ قولِهِ تعالى مثلاً: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتِ إِلَينَا}، فجاءَ بـ (ما) دونَ (ماذا)؛ لأنَّ الموقفَ لا يتطلَّبُ ذاكَ.

ولذا يُؤتى بماذا في مواقفِ التَّحدِّي والقوَّةِ قالَ تعالى: {قُلْ أَرَءَيتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكُ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَينَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً}، فهوَ يتحدَّى المشركينَ تحدِّياً لا يُمْكِنُهُمُ الإفلاتُ مِنْهُ فيقولُ لَهُمْ: هؤلاءِ شركاؤُكُمْ أرونِي ماذا خلقُوا مِنَ الأرضِ؟ اذكُرُوا لي شيئاً خلقُوهُ، وإنْ هانَ وحَقُرَ، فجاءَ بـ (ماذا) في التَّحدِّي، وهوَ أبلغُ وأقوى مِنْ (ما) وحدَهَا يدلُّكَ على ذلِكَ السِّياقُ.

ويُمكنُنُا نحنُ أنْ نزيدَ: (ما) يأتي بعدَهَا فعلٌ أو اسمٌ، بينَمَا الغالبُ في (ماذا) أنْ يأتي بعدَهَا فعلٌ.

ملخَّصُ البحثِ

١ -همَا كلمتانِ يُستفهمُ بهِمَا عنْ غيرِ العاقلِ، ويُستفهمُ بـ (ما) عنْ صفاتِ العاقلِ.

٢ –(ما) يأتي بعدَهَا فعلٌ أو اسمٌ، بينَمَا الغالبُ في (ماذا) أنْ يأتي بعدَهَا فعلٌ.

٣ –في استعمالِ (ماذا) قوَّةٌ ومبالغةٌ في الاستفهامِ ليسَتْ موجودةً في (ما)، بسببِ زيادةِ حروفِ (ماذا).

٤ –(ماذا) يُؤتَى بِهَا في مواقفِ التَّحدِّي والتَّقريعِ والمجابهةِ على عكسِ (ما) الَّتي يُؤتى بِهَا لمواقفَ ليسَ فيهَا تحدٍ أو مجابهةٌ.

٥ –ذا تفيدُ التَّنصيصَ على الاستفهامِ ولو حُذِفَتْ لاحتملَ المعنى الاستفهامَ والخبرَ.

المصادرُ والمراجعُ

-التصريح بمضمون التوضيح للوقاد.

-درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي.

-شرح الأشموني على ألفية ابن مالك.

-شرح الرضي على الكافية.

-شرح المفصل لابن يعيش.

-الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشري.

-معاني النحو لفاضل السامرائي.

-معجم القواعد العربية لعبد الغني الدقر.

-المعجم المفصل في النحو العربي لعزيزة فوال بابستي.

-المعجم الوافي في أدوات النحو العربي لعلي توفيق الحمد ويوسف جميل الزعبي.

-مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى