اللسان في نثر أحمد شوقي
يُعَدُّ اللِّسَانُ مِنْ أَهَمِّ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ النَّاطِقَةِ بَالْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ، فَهُوَ أَدَاةُ النُّطْقِ التَّامِّ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْكَلَامُ، كَلَامٌ جَمِيلٌ أَو قَبِيحٌ يُؤَثِّرُ فِي الْمَتَلَقِّي، وَفَائِدَتُهُ تَتَأَتَّى مِنْ دَورِ الْكَلِمَةِ فِي الْحَيَاةِ.
لِذَا انْبَرَى الْأُدَبَاءُ وَالشُّعَرَاءُ لِلْحَدِيثِ عَنِ اللِّسَانِ وَالْكَلَامِ، وَأَبْدَعُوا فِي نُصُوصِهِمُ النَّثْرِيَّةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْأُدَبَاءِ أَحْمَدُ شَوقِيٌّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ (١٣٥١هـ)، الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنِ اللِّسَانِ بِنَصٍّ جَمِيلٍ مِنْ كِتَابِهِ أَسْوَاقُ الذَّهَبِ، نَنْقُلُهُ لَكُمْ مَعَ ضَبْطِهِ بِالشَّكْلِ.
النَّصَّ النَّثْرِيُّ: اللِّسَانُ
مُضْغَةُ لَحْمِ فِي عَظْمٍ؛ سَمَّاهَا النَّاسُ اللِّسَانَ، وَعَظَّمُوهَا لِفَضِيلَةِ الْبَيَانِ، فَقَوَّمُوهَا بِنِصْفِ الْإِنْسَانِ. عَضْلٌ نَبَتَ مِنَ الْحُلْقُومِ وَقَنَاتِهِ، وَثَبَتَ فِي أَصْلِ لَهَاتِهِ، وَلَبِثَ فِي السِّجْنَ ظَمْءَ حَيَاتِهِ، لَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ سِوَى شَبَاتُهُ.
رَسُولُ الْعَقْلِ فِي النَّقْلِ، وَأَدَاةُ الدِّمَاغِ فِي الْبَلَاغِ، وَتَرْجُمَانُ النَّفْسِ فِي رِوَايَةِ الْعَاطِفَةِ، وَحِكَايَةُ الصَّحْوِ وَالْعَاصِفَةِ.
الْوَحْيُ عَلَى عَذْبَاتِهِ ظَهَرَ، وَمِنْ جَنَبَاتِهِ انْحَدَرَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَفَرَ بَينَ الْخَالِقِ وَبَينَ الْبَشَرِ، ثُمَّ فُجِّرَ بِالْحِكْمَةِ فَانْفَجَرَ، ثُمَّ عُلِّمَ الشِّعْرَ فَشَعَرَ، فَسُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَهُ وَعَلَّقَهُ، وَالَّذِي قَيَّدَهُ وَأَطْلَقَهُ، وَالَّذِي أَسْكَنَهُ وَأَنْطَقَهُ، وَالَّذِي يُمِيتُهُ فَيَنْدَثِرُ، وَالَّذِي هُوَ عَلَى بَعْثِهِ مُقْتَدِرٌ.