النثر

إشارة الياسمين، نص نثري

يَنْتَظِرُهُ النَّاسُ فِي كُلِّ صَيفٍ أَنْ يُزْهِرَ، وَيَرْجُونَهُ فِي كُلِّ بُيُوتِهِمْ أَنْ يَنْتَشِرَ، فِي الشَّامِ مَنْزِلُهُ، وَعَلَى جَنَبَاتِهَا مَزْرَعُهُ، هُوَ الْأَبْيَضُ الرَّقِيقُ، وِقْيمَتُهُ أَغْلَى مِنَ الْعَقِيقِ، بِجَمَالِهِ كُلُّ الْقُلُوبِ مَفْتُونَةٌ، وَبِرَائِحَتِهِ كُلُّ الْعَاشِقِينَ مَجْنُونَةٌ.

مِنْ نُصُوصِ الْعَرِبِ اخْتَرْنَا لَكُمْ فِيهِ كَلَاماً وَنَثْراً، وَنَقَلْنَا عَنْهُ مَا قَالُوهُ زَهْراً.

النَّصُّ النَّثْرِيُّ: إِشَارَةُ الْيَاسِمِينِ

يَقُولُ عِزُّ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ٦٧٨ هِجْرِيَّةً) فِي كِتَابِهِ كَشْفُ الْأَسْرَارِ فِي حِكَمِ الطُّيُورِ وَالْأَزْهَارِ، نَنْقُلُهُ لَكُمْ كَمَا أَورَدَهُ.

فَصَاحَ بِفَصَاحَتِهِ الْيَاسِمِينُ، وَقَالَ: أَنَا الْيَاسِمِينُ، وَبِحُكْمِ أَنِّي أَفُوحُ بِوَقَاحَةِ رُوحِي بَينَ الرَّيَاحِينِ، وَأَتَرَدَّدُ عَلَى الْآثَارِ حِيناً بَعْدَ حِينٍ، أَجْلِبُ مِنْ خَزَائِنِ الْغُيُوبِ، وَلَا أَسْكُنُ إِلَّا فِي كَمَايِنِ الْجُيُوبِ، أَبُوحُ بِسِرِّي أَينَمَا حَضَرْتُ، وَأَفُوحُ بِعِطْرِي أَينَمَا خَطَرْتُ، لَا أَخْفَى عَلَى ذِي ذَوقٍ، وَلَا يُنْكِرُنِي مَنْ لَهُ شَوقٌ، فَرِيحِي عَلَى الرَّيَاحِينِ يَعْلُو، وَزَهْرِي وَنَشْرِي عَلَى الْأَزَاهِيرِ يَنْمُو، لِأَنَّ مَنْ طَابَ مَعْنَاهُ، كَانَ أَطْيَبَ وَأَذْكَى، وَمَنْ صَحَّ دَعْوَاهُ، كَانَ أَطْهَرَ وَأَذْكَى، فَمَنْ أَرَادَ مَرَاتِبَ الْعُلَى فَلْيَعْلُ بِلَطَافَةِ مَعَانِيهِ، وَلْيَرْقَ فِي دَرَجِ مَعَالِيهِ، وَلَا يَكُنْ مِمَّنْ قَصَّرَ فِي تَدَانِيهِ، فَمَا يَفُوزُ بِأَمَانِيهِ.

ثُمَّ إِنَّ فِيَّ إِشَارَةٌ، وَحَقِيقَتُهَا لِلْعَالَمِينَ بِشَارَةٌ، فَأَوَّلُ اسْمِي يَاسٌ وَآخِرُهُ مِينٌ، فَالْيَأْسُ شَينٌ وَالْمِينُ زَينٌ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا يَاسٌ وَمِينٌ دَلَّ عَلَى بَينُونَةِ الْبَينِ، وَبَشَّرَا بِقُرَّةِ الْعَينِ، وَفِي ذَلِكَ أَقُولُ:

رَأَيتُ الْفَأْلَ يُخْبِرُنِي بِخَبَرٍ … وَقَدْ أَهْدَى إِلَيَّ الْيَاسِمِينُ

قَالَ لَا تَحْزَنْ فَإِنَّ الْحُزْنَ شَيْنٌ فَإِنَّ الْيَأْسَ مِينُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى