علم المعاني

ما الإطناب وما أنواعه؟

يعد الإطناب من علم المعاني، وهو علم جمالي مهم في البلاغة، وله شرط وفائدة وأنواع كثيرة نستعرضها في هذا الدرس.

تعريف الإطناب

هو التعبير عن المعنى المراد بلفظ زائد عما يستحق أداء هذا المعنى وتوصيله حسب متعارف أوساط الناس.

بمعنى آخر: أن تكون عبارته التي يوصِّلُ لها هذا المعنى أطول من عبارة متوسطي الناس عن هذا المعنى نفسه، لو حدث أنهم عبروا عنه.

ما شرط الإطناب؟

إن شرط زيادة العبارة أن تكون لفائدة، فالإطناب محمود في الكلام ما دام مؤدياً لفائدة، فإن لم تكن له فائدة أصبح حشواً أو تطويلاً مذموماً.

ومثال الإطناب الذي له فائدة قوله تعالى: {رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً}.

فمثل هذا المعنى يمكن أن يُؤَدَّى حسب متعارف أوساط الناس بأن يقول: سيدنا زكريا عليه السلام: (رب إني كبرت)، لكن الزيادة يقتضيها موقف بث الشكاية واستدرار الرحمة واستعطاف البارئ جل وعلا.

مثال آخر عن الإطناب المحمود قوله تعالى: {وما تلك بمينك يا موسى ۝ قال هي عصاي أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى}، فمقال كليم الله عليه السلام يمكن تأديته بلفظ أقل، لكن هذه الزيادة في العبارة يقتضيها مقام التكلم مع رب العالمين؛ حيث يثير المتكلم من الأحاديث ما لزم وما لم يلزم؛ لإطالة أمد الحديث والظفر بالمشاهدة.

متى تكون الزيادة في الإطناب لغير فائدة؟

إن كانت الزيادة في اللفظ لغير فائدة فلا تسمى إطناباً بل هي أحد شيئين:

أ –تطويل: وذلك حين تكون الزيادة في الكلام غير متعيِّنة، كقول عَدي بن زيد العِبادي يصور فعل الزباء بجذيمة بن الأبرش:

وَقَدَّدَتِ الْأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ … وَأَلْفَى قَولَهَا كَذِباً وَمَينَا

الشاهد: قوله (كذبا ومينا) فالكذب والمين بمعنى واحد، ولا فائدة في الجمع بينهما، وليس بمقدورنا أن نحدد الزائد منهما، بل يمكننا حذف أي منهما دون تغير المعنى، فيسمى هذا تطويلاً.

ومثله قول الشاعر:

ألا حبذا هند وأرض بها هند … وهند أتى من دونها النأي والبعد

فالناي والبعد بمعنى واحد، وليس في مقدورنا تعيين الزائد منهما.

ب –حشو: وذلك حين يكون في مقدورنا تعيين الزائد، وهو نوعان:

١ -حشو مفسد للمعنى، وهو زيادة متعينة دون فائدة، كزيادة لفظ الندى في قول المتنبي يرثي غلاماً:

ولا فضل فيها للشجاعة والندى … وصبرِ الفتى لولا لقاءُ شَعُوبِ

فإدراج كلمة (الندى) في سياق الحديث عن الشجاعة والصبر في هذا المقام لا يستقيم، وهو حشو مفسد للمعنى.

٢ -حشو غير مفسد، مثل لفظ (قبله) في قول زهير بن أبي سلمى:

وأعلمُ علمَ اليومِ والأمسِ قبلَهُ … ولكنني عن علمِ ما في غَدٍ عَمي

فقوله (قبله) زيادة متعينة دون فائدة؛ لأن لفظ الأمس يدل هو نفسه على القبلية، فلا حاجة إلى التدليل عليها بلفظ (قبله)، وما دام المعنى لا يبطل بوجود هذا اللفظ، فهو إذاً حشو غير مفسد.

ومثله قول الشاعر:

ذكرت أخي فعاودني … صداع الرأس والوَصَبِ

فالمعروف أن الصداع لا يكون في غير الرأس، لكن المعنى لا يبطل بذكرها، وهكذا فلفظ الرأس في البيت حشو غير مفسد.

أنواع الإطناب

للإطناب أنواع كثيرة ولعل أهما ما يلي:

١ –الإيضاح بعد الإبهام: وذلك ليُرى المعنى في صورتين مختلفتين، إحداهما مبهمة والثاني موضحة. ولهذه الطريقة جمالية أخرى وهي تمكين المعنى في النفس؛ وذلك لأن المعنى إذا ألقي مُبْهَماً تاقت النفس إلى معرفته موضَّحاً، فتتنبه إلى ما يأتي بعد ذلك، فإذا جاءها كما تشتهيه تَمَكَّنَ لديها أفضل تمكن، وكان شعورها به أتم.

وقد يحقق جمالية ثالثة وهي إكمال لذة العلم بهذا المعنى؛ وذلك لأن الشيء الذي يُعْلَمُ دفعة واحدة لا يسبق حصول اللذة به ألم، وإذا عُلِمَ جزء منه دون آخر تشوقت النفس إلى تعرف المجهول، فيحصل لها بسبب المعلوم لذة، وبسبب حرمانها من الباقي ألم، حتى إذا علمت الجزء المجهول حصلت له لذة أخرى، ومعلوم من أحوال النفس أن اللذة بعد الألم أقوى من اللذة التي لم يسبقها ألم.

ومن أمثلة الإطناب القائم على الإيضاح بعد الإبهام قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ۝ تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}.

وقوله تعالى: {رب اشرح لي صدري}، فالفعل اشرح بفيد طلب شرحٍ لشيء ما له، وقوله صدري يفيد تفسيره.

وقوله تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}، جاء الأمر مبهماً في البداية ثم وُضِّحَ وبُيِّنَ في قوله {أن دابر هؤلاء}، وفي هذا توجيه للذهن إلى معرفته وتفخيم لشأن المبيَّن وتمكينه في النفس.

٢ –التوشيع: وهو أن يؤتى في آخر الكلام بمثنى مفسَّرٍ باسمين ثانيهما معطوف على الأول. وبذلك يُرى المعنى في صورتين يخرج فيهما من الإبهام إلى الإيضاح. وأصل التوشيع في اللغة لف القطن المندوف، فكأنهم جعلوا التعبير عن المعنى الواحد بالمثنى المفسَّر باسمين بمنزلة لف القطن بعد الندف.

ومن أمثلة التوشيع في الشعر، قول الشاعر:

سقتني في ليل شبيه بشعرها … شبيهةَ خديها بغير رقيب

فما زلت في ليلين شعر وظلمة … وشمسين من خمر ووجه حبيب

الشاهد قوله (ليلين شعر وظلمة) و(شمسين خمر ووجه حبيب).

٣ –عطف الخاص على العام للتنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنسه، كقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}، وكقوله عز وجل {من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال}، أفرد جبريل وميكال بالذكر مع أنهما من الملائكة لفضلهما كأنهما من جنس آخر.

٤ –عطف العام على الخاص للدلالة على الاهتمام بالخاص بذكره مرتين كقوله تعالى: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات}، وقوله تعالى: {وما أوتي موسى وعيسى والنبيون}.

٥ -الإيغال: وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى دونها، كالمبالغة في التشبيه أو تحقيقه أو زيادة الحث والترغيب.

وأصل الإيغال في اللغة الإبعاد في الأمر والوصول فيه إلى غاية بعيدة.

ومن الإيغال الذي يفيد المبالغة في التشبيه قول الخنساء:

وإن صخراً لتأتم الهداة به … كأنه علم في رأسه نار

فقد شبهت صخراً بالجبل في الظهور والارتفاع، وكان يكفيها ذلك تطاولاً وفخراً، لكنها لم تكتف بهذا القدر بل مضت حتى جعلت في رأس الجبل ناراً مبالغة في الظهور والوضوح والاشتهار. وقول الخنساء هذا (في رأسه نار) إيغال للمبالغة في التشبيه.

ومن الإيغال الذي يفيد تحقيق التشبيه قول زهير بن أبي سلمى:

كأن فتات العهن في كل منزل … نزلن به حب الفنا لم يحطم

شبه زهير قطع الصوف الصغيرة في منازلهن بحب الفنا، وزاد على ذلك بأن جعل حب الفنا غير محطم؛ لأن الفنا أحمر الظاهر أبيض الباطن، فلا يشبهه الصوف الأحمر إلا حين يكون غير محطم. فقوله (لم يحطم) إيغال تم المراد من دونه، لكن جيء به لنكتة وهي تحقيق التشبيه.

٦ –التكرير: وهو ذكر الشيء مرتين أو أكثر لأغراض منها:

أ -التأكيد: كقوله تعالى: {كلا سوف تعلمون ۝ ثم كلا سوف تعلمون}، فقد أكد الردع والإنذار بتكريرهما. وكقوله عز وجل {فإن مع العسر يسراً ۝ إن مع العسر يسراً}.

ب -ملاينة المخاطب لقبول مضمون الخطاب، كقوله تعالى: {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ۝ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع}، كرر (يا قوم) تلييناً لقلوب المخاطَبين وإظهاراً لإخلاصه لهم في النصح ليتلقوا الكلام منه بالقبول.

ج -قصد الاستقصاء والاستيعاب، كقولك: مشيت حلب شبراً شبراً.

د -التنويه بشأن المتحدث عنه أو النيل منه، ومن الأول: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، ومن الثاني قول جرير يهجو الفرزدق:

هو القين وابن القين لا قين مثله … لفطح المساحي أو لجدل الأداهم

هـ -المبالغة في التوجع والتحسر، كقول الشاعر:

فيا قبر معن أنت أول حفرة … من الأرض خطت للسماحة موضعا

ويا قبر معن كيف واريت جوده … وقد كان منه البر والبحر مترعا

و -وصل الكلام حيث يكرر ما قد بَعُدَ لئلا يجيء الكلام مبتوراً لا طلاوة عليه، كما في قوله تعالى: {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}، كرر لفظ رأيت بسبب طول الفصل بين رأيت الأولى وساجدين.

ز -الترديد: وهو تكرير اللفظ متعلقاً بغير ما تعلق به أولاً، كقولهم: السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة.

ح -التلذذ بذكره كقول مروان بن أبي حفصة:

سقى الله نجداً والسلام على نجد … ويا حبذا نجد على القرب والبعد

ط -الإرشاد إلى الطريقة المثلى، كقوله تعالى: {أولى لك فأولى ۝ ثم أولى لك فأولى}.

ي -تعداد الأفضال لحمل المخاطب على الإقرار، كقوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}.

٧ –التكميل أو الاحتراس: وهو أن يخشى المتكلم فهماً خاطئاً لمراده، فيكمل بما يوضح هذا المراد، كقوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين}، فقال {أعزة على الكافرين} ليفهم أن تذللهم للمؤمنين ليس ناشئاً عن ضعف وعجز.

٨ –التتميم: وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بزيادةٍ لغرض بلاغي كالمبالغة، كقوله تعالى: {ويطعِمون الطعام على حبه}، أي مع حبه، فقد زيد (على حبه) للتدليل على فرط سخائهم.

٩ –التذييل: وهو تعقيب جملة بأخرى تتضمن معناها تأكيداً لها، كقوله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}، فقوله {إن الباطل كان زهوقاً} تذييل مستقل بمعناه جار مجرى المثل، جيء به تأكيداً لمفهوم ما قبله.

أسئلة مع إجاباتها حول الإطناب

١ -اقرأ المحاضرات كلها، واللغة العربية.

فيه إطناب بذكر الخاص بعد العام؛ لبيان فضل الخاص.

٢ -كل الناس إلا من رحم ربي مبتلون بداء الحرص.

فيه إطناب بالاحتراس.

٣ -إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى … ظئمت وأيُ الناس تصفو مشاربه

فيه إطناب بالتذييل، وهو يجري مجرى المثل في قوله: وأيُ الناس تصفو مشاربه.

٤ –جوزي المذنب بما اقترف، وهل يجازى إلا المذنب.

فيه إطناب بالتذييل وليس جارياً مجرى المثل لتوقفه على ما قبله.

٥ –أكرمن أولادي وبناتي ووالدي وأفراد أسرتي.

فيه إطناب بذكر العام بعد الخاص اهتماماً بالخاص.

٦ -قال تعالى: {أفأمن اهل القرى أن يأتيهم بأسنا وهم نائمون ۝ أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ۝ أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.

فيه إطناب بالتكرير للتأكيد والإنذار والتهديد.

٧ –قال تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون}.

فيه إطناب بالاحتراس في قوله (وهو مؤمن).

٨ –لكل شيء إذا ما تم نقصان.

فيه إطناب بالاحتراس.

٩ -البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة.

فيه إطناب بالترديد.

١٠ -واحرص على حفظ القلوب من الأذى … إن الزجاجة كسرها لا يُشْعَبُ

فيه إطناب بالتذييل الجاري مجرى المثل.

١١ -إنِ امرأً أحسن إليك، وصان حرمتك، وحفظ سرك، إنه جدير بثقتك به.

فيه إطناب بالتكرير لطول الفصل.

١٢ -كان عمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين.

فيه إطناب بالاعتراض لقصد الدعاء.

١٣ -نجح محمد باجتهاده، وما ينجح إلا الجادون.

فيه إطناب بالتذييل غير جارٍ مجرى المثل لتوقفه على ما قبله.

١٤ -نَزْرُ الكَلامِ مِنَ الحَياءِ تخالُهُ … ضَمِناً وليسَ بجِسْمِه سُقْمُ

فيه إطناب بالتكميل، بذكر (من الحياء) لدفع توهم أن قلة الكلام بسبب العي.

١٥ -أُمسي وأُصبحُ مِنْ تَذكارِكُمْ وَصِبا … يَرثي لي المُشفِقان الأهلُ والولدُ

فيه إطناب بالتوشيع لغرض الإيضاح بعد الإبهام.

١٦ -قال تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}.

فيه إطناب بالإيضاح بعد الإبهام لعرض المعنى في صورتين مختلفتين.

يرجى العلم بأن أغلب هذا الدرس منقول من كتاب المفصل في علوم البلاغة لعيسى العاكوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى