علم البديع

ما هي مراعاة النظير في علم البديع؟

في هذا الدرس سوف نتكلم عن واحد من المحسنات المعنوية التابعة لعلم البديع وهو مراعاة النظير، أو التناسب أو التوفيق أو الائتلاف أو التلفيق.

مراعاة النظير اصطلاحاً

هي أن يجمع المتكلم بين أمرين متناسبين أو أمور متناسبة لا على جهة التضاد.

أنواع مراعاة النظير

أ –مراعاة النظير بين أمرين: مثالها قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. فهنا يوجد تناسب بين السمع والبصر من جهة أن كلَّ واحد منهما هو فعلُ حاسَّةٍ من الحواس الخمس.

ويَلحظ الذهن تآلفاً وتقارباً بين السميع والبصير لا يحصل لو كان اللفظ الثاني الخبير مثلاً.

ب –مراعاة النظير بين أكثر من أمرين: مثاله قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}، فمعنى اشتروا: اختاروا، لكن مجيء الاشتراء جَعَلَ العبارة كلها مصبوغة بصبغته، ثم جاء بعدها بالربح والتجارة مراعاة للنظير (الاشتراء).

تشابه الأطراف

يدخل في مراعاة النظير ما يسميه البعض (تشابه الأطراف)، فما تعريف تشابه الأطراف؟

تشابه الأطراف: هو أن يختم المتكلم كلامه بما يناسب أوله في المعنى.

مثاله قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

فمن الواضح أن (اللطيف) يناسب كون الله عز وجل غيرَ مُدْرَكٍ بالأبصار، وأن (الخبير) يناسب كون الله تعالى مُدْرِكاً للأبصار؛ لأن إدراك الشيء يَستلزم الخبرةَ به.

إيهام التناسب

كما يلحق بمراعاة النظير ما يسمى (إيهام التناسب)، فما تعريف إيهام التناسب؟

إيهام التناسب: هو إيراد لفظين أو أكثر يكون لأحدهما معنيان: أحدهما غير مناسب لمعنى سابقِه أو سابقاته، لكن هذا المعنى هو المقصود في السياق، والمعنى الآخر مناسب لمعنى سابقِه أو سابقاته لكنه غير مقصود في السياق.

مثال عن إيهام التناسب: قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}.

فالنجم هنا النبات الذي ينجم من الأرض؛ أي يظهر ولا ساق له، وهو مقابل للشجر الذي له ساق، لكن للنجم معنى آخر معروفاً وهو الكوكب.

إذاً نحن أمام صورتين لمراعاة النظير: (الشمس والقمر) وهما متناسبتان، و(النجم والشجر) وهما متناسبتان. لكن في النجم مع الشجر والقمر مراعاة للنظير لا من حيث معناه أي النبات عديم الساق، بل من حيث معناه غير المراد وهو الكوكب.

فتسمى هذه الصورة إيهام التناسب؛ لأنها توهم التناسب ولا تناسب.

جماليات مراعاة النظير

أ -الانسجام والتساوُق والتناغم وهي تجعل المعنى جميلاً وتوقظ الحس الجمالي.

ب -كما يضفي هذا الفن البديعي على الكلام مظهراً من مظاهر القوة والمتانة؛ لأن تناسب المعاني يعزز بعضها وينميها ويشد أزرها.

أمثلة عن مراعاة النظير

-قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ اِبْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ}.

في الآية مراعاة النظير في ألفاظ الماء والسيل والزبد والربو، وفي ألفاظ النار والجوهر والفلزات المعدنية والإيقاد والحلية والمتاع.

-قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}.

فقد جمع سبحانه وتعالى في هذه الآية معظم وسائل النعيم التي تجعل المرء ينهمك في الفتنة وينساق مع دواعي النفوس الجموح، وقد زينت للناس واستهوتهم بالتعاجيب والمفاتن ابتلاء لهم.

-قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ}.

وهي هنا في ذكر الضوء والنور، والسر في ذكر النور مع أن السياق يقتضي أن يقول (بضوئهم) مقابل (أضاءت)، السر هو أن الضوء فيه دلالة على الزيادة؛ فلو قال (بضوئهم) لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نوراً والغرض هو إزالة النور عنهم رأساً وطَمْسُهُ أصلاً.

-قال الشاعر:

كأنَّ الثُّريَّا عُلِّقَتْ في جَبِينِهِ … وفي خَدِّهِ الشِّعْرَى وفي وَجْهِهِ البَدْرُ

هنا جمع الشاعر بين أشياء متناسبة لا على جهة التضاد وهي الثريا والشعرى والبدر، وهي تتناسب كونها في السماء أو كونها كواكب ونجوم.

-قال البحتري يصف إبلاً هزيلة:

كَالْقِسِيِّ الْمُعَطَّفَاتِ بَلِ الْأَسْـ … ـهُمِ مَبرِيَّةً بَلِ الْأَوتَارِ

فقد وصف البحتري الإبل بالنحول فقادته مراعاة النظير إلى تشبيهها بأشياء متناسبة وهي القسي والأسهم المبرية والأوتار.

زر الذهاب إلى الأعلى