إعراب القرآن

إعراب قوله تعالى: لا تضار والدة بولدها

يتساءل كثير من طلبة العلم عن إعراب الفعل (تضار)، وهو تساؤل مشروع؛ لأن في هذا الإعراب أوجه حسب إعراب (لا) وحسب القراءة، لذلك في هذه المقالة سنقوم إعراب هذه الآية التي وردت في سورة البقرة وذلك بالرجوع إلى أقوال العلماء ومقارنتها.

الآية

قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، (سورة البقرة: ٢٣٣).

إعراب لا تضار والدة بولدها

لا: ناهية، ويجوز أن تكون نافية إذا قرئ بالرفع بالبناء للمعلوم والبناء للمجهول.

تضارَّ: وأصلها تُضَارَرْ أو تُضَارِرْ.

الوجه الأول (تضارَرُ)

ذكر ابن الأنباري في البيان والتبيين: ١ / ١ ٥٩: أن الراء في الفعل (تضارَّ) حُرِّكَتْ بالفتح لثلاثة أوجه:

١ –أن الفتحة أخف الحركات.

٢ –لأن ما قبل الألف فتحة؛ ففُتِحَتْ إتباعاً لها.

٣ –أن الفتحة نُقْلَتْ من عين الفعل إلى لامه؛ لِما احتيج إلى تحريكها؛ لأن ذلك أولى من اجتلاب حركة لا أصل لها في الكلمة.

الإعراب

تُضَارَرْ: فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلا، وعلامة جزمه السكون، وحُرِّكَت الراء بالفتح لالتقاء الساكنين.

فالساكن الأول هو الراء الأولى، وسبب تسكينها هو الإدغام، والراء الثانية (الأخيرة) ساكنة؛ بسبب الجزم بلا، فلما وقع الإدغام حُرِّكَتِ الرَّاء المدغمة بالفتح.

قال ابن الأنباري: «أصله (تضارَرُ)، استثقلوا اجتماع حرفين من جنس واحد؛ فسكنوا الأول وحركوا الثاني لالتقاء الساكنين؛ لأن الثاني كان ساكناً للجزم، وأدغموا أحدهما في الآخَر، وحركت بالفتح لما بينا».

والدة: نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

والمعنى: لا يُضَارُّ بعلٌ زوجَه بسبب ولده.

الوجه الثاني (تضارِرْ)

على هذا الوجه يكون الفعل مبنياً للمعلوم.

تُضَارِرْ: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

والدة: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والمفعول به محذوف، والتقدير: لا تضارِرْ أي: لا تضارُّ والدةٌ بَعْلَها بسبب ولدها، أو لا تضارِرْ والدةٌ بولدِها أباه.

وإن إدغام الراء على هذه الصورة يكون مثل الذي جرى في الصورة الأولى.

وعلى الوجه الثاني ذكر العلماء في المفعول به ثلاثة أقوال:

١ –المفعول به محذوف كما أسلفنا، والتقدير: لا تضارَّ والدةٌ زوجَها بسبب ولدها بما لا يقدِر عليه من رزق وكسوة ونحو ذلك.

٢ –ذهب الزمخشري إلى أن (تضارَّ) بمعنى (تَضُرُّ) وأن الباء من صلته، والمعنى: لا تضرُّ والدةٌ بولدها فلا تسيء غذاءه.

ومعنى (من صلته)؛ أي تكون متعلقة به، ومعدية له إلى المفعول به، وذلك مثل قولنا: ذهبْتُ بزيدٍ.

٣ –الباء مزيدة في (بولدها) و(تضار) بمعنى (ضرَّ)، ويكون التقدير: لا تضرُّ والدة ولدَها بسوء غذائها.

فالإعراب: بولدها: الباء حرف جر زائد، ولدها: اسم مجرور لفظاً، منصوب محلاً على أنه مفعول به، وهو مضاف، وها: ضمير متصل، مبني على السكون، في محل جر بالإضافة.

وكلا القراءتين بالفتح والضم تحتمل البناءين أيضاً، تعضدهما قراءة من قرأ: (لا تضارَرْ) و (لا تضارِرْ) بالجزم وفتح الراء الأولى وكسرها.

القراءة بالرفع

-قرأ نافع وحفص عن عاصم، وحمزة والكسائي وابن عامر وابن جماز من طريق الهاشمي، وعيسى من طريق ابن مهران (لا تضارَّ) بفتح الراء، وعلى ذلك تكون (لا) ناهية، وتسكن الراء الأخيرة للجزم. وهذا القراءة المعروفة عن أهل الشام، ورجح الطبري هذه القراءة، والإدغام لغة تميم.

-وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبان عن عاصم، وقتيبة عن الكسائي وابن محيصن ويعقوب واليزيدي (لا تضارُّ)، برفع الراء المشددة، فهو فعل مضارع قبله (لا) النافية، ومعناه النهي للمشاكلة من حيث إنه عطف جملة خبرية على مثلها من حيث اللفظ، وهو قوله تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} فالجملة الأولى (لا تكلف) خبرية لفظاً ومعنى، والثانية (لا تضارُّ) خبرية لفظاً نَهْيِيَّةٌ في المعنى.

إذاً، قُرِئَ برفع (تضارُّ)، وفيها وجهان:

١ -على أن «لا» نافية. ووالدة نائب فاعل. وأدغم؛ لأن الحرفين مثلان، ورفع؛ لأن لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي.

٢ -أنه على تسمية الفاعل، وتقديره: لا تضارر -بكسر الراء الأولى، والمفعول على هذا محذوف تقديره: لا تضارُّ والدةٌ والداً بسبب ولدها.

قراءات أخرى

-عن الحسن أنه قرأ (لا تضارِّ) بالتاء وكسر الراء المشددة على النهي.

-وروي عنه أنه قرأ (لا يُضَارِّ) بالياء وكسر الراء المشددة على النهي.

-وقرأ أبو جعفر الصّفَار وأبو جعفر يزيد بن القعقاع والأعرج والكسائي عن المفضل عن عاصم (لا تضارّ) بالسكون مع التشديد، حيث أجرى الوصل فيه مجرى الوقف.

-ورُوِيَ عن أبي جعفر الصفار والأعرج وأبو جعفر من رواية عيسى وابن جماز من طريق الهاشمي (لا تضارْ) بإسكان الراء وتخفيفها، وهي من ضار يَضِيرُ، وهو مرفوع، لكنه أجري الوصل فيه مجرى الوقف.

-وقرأ ابن مسعود وأبان والضحاك وابن نبهان كلهم عن عاصم والحسن وعمر بن الخطاب (لا تُضَارَرْ) بفك الإدغام وفتح الراء الأولى وسكون الثانية، وهي لغة الحجاز.

-وقرأ ابن عباس والأعرج وأبان عن عاصم (لا تُضارِرْ) بفك الإدغام، وكسر الراء الأولى وسكون الثانية، وهي لغة الحجاز.

-وقرأ عمر بن الخطاب وكاتبه (لا تَضْرَرْ) براءين مفتوحة فساكنة، وأثبت ابن خالويه هذه القراءة بكسر الراء الأولى (لا تَضْرِرْ).

زر الذهاب إلى الأعلى